فإن قلتم لم يزل يعلمه ميتا وجب أن زيدا لم يزل ميتا وهذا محال وإن قلتم لم يعلمه ميتا حتى مات فهذا قولنا لا قولكم فالجواب عن هذا أننا لا نقول شيئا مما ذكر ولكننا نقول أن الله عز حجل لم يزل يعلم أنه سيخلف زيدا وأنه سيعيش كذا وكذا وأنه سيموت في وقت كذا فعلم الله تعالى بكل ذلك واحد لا يتبدل ولا يستحيل ولا زاد فيه تبدل الأحوال التي للمعلوم شيئا ولا نقص منه عدمها شيئا ولا أحدث له حدوث ذلك علما لم يكن وإنما تغاير المعلومات لا العلم ولا العليم ولا القدرة ولا القدير والفرق بين القول متى علم الله زيدا ميتا وبين القول متى علمت زيدا ميتا فرق بين وهو أن علمي بأن زيدا مات هو عرض حدث في النفس بحدوث موت زيد وهو غير علمي بأن زيدا حي وأنه سيموت لأن علمي بأن زيدا سيموت إنما هو علم بأنه ستحدث حال مقتضية لموته يوما ما لا علمنا بوجود الموت وعلمي بأن زيدا ميت علم بوجود الموت فهو غير العلم الأول وكلاهما عرض مخلوق في النفس وعلم الله تعالى ليس كذلك لأنه ليس هو شيئا غير الله D ولو كان علم الله محدثا لوجب ضرورة أن يكون على حكم سائر المحدثات وبضرورة العقل نعلم أن العلم كيفية عرض والعرض لا يقوم البتة إلا في جسم ومحال أن يكون العلم محمولا في غير العالم به فكان يجب من هذا القول بالتجسيم وهذا قول قد بطل بما قدمنا من البراهين على وجوب حدوث كل جسم وعرض فإن قال قائل علم الله تعالى عرض حادث في المعلوم قائم به لا بالباري D ولا بنفسه قلنا له وبالله تعالى التوفيق بنص القرآن علمنا أن الله D عنده علم الساعة وعلم ما لا يكون أبدا أن لو كان كيف كان يكون إذ يقول تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ولقوله تعالى لنوح عليه السلام أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وأخبر تعالى أنهم مغرقون فلو كان علم الله تعالى عرضا قائما في المعلوم والمعلوم الذي هو الساعة غير موجود بعد والعلم موجود بيقين فلا بد ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما أما أن يكون المعلوم موجودا لوجود العلم به وهذا باطل بضرورة الحس لأن المعلوم الذي ذكرنا معدوم فيكون معدوما موجودا في حين واحد من جهة واحدة أو يكون العلم الموجود قائما بمعلوم معدوم فيكون عرض موجود محمولا في حامل معدوما وهذا تخليط ومحال فاسد البتة وإنما كلامنا هذا مع أهل ملتنا المقرين بالقرآن وأما سائر الملل فليس نكلمهم في هذا لأنها نتيجة مقدمات سوالف ولا يجوز الكلام في النتيجة إلا بعد إثبات المقدمات فإن ثبت المقدمات ثبتت النتيجة والبرهان لا يعارضه برهان فكل ما ثبت ببرهان فعورض بشيء فإنما هو شغب بلا شك وإن لم تصح المقدمات فالنتيجة باطلة دون تكلف دليل ومقدمات ما ذكرنا هي إثبات التوحيد وحدوث العالم ونقل الكواف لنبوة محمد صلى