لله مجهلون له وأصحاب الأصلح يصفهم أصحاب اللطف بأنهم معجزون لله تعالى مشبهون له بخلقه فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون وقد نص الله تعالى على أنه يفعل ما يشاء بخلاف ما قالت المعتزلة فقال D كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وأمرنا D أن ندعوه فنقول ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به .
قال أبو محمد وهذه غاية البيان في أنه D له أن يكلفنا ما لا طاقة لنا به وأنه لو شاء ذلك لكان من حقه ولو لم يكن له ذلك لما أمرنا بالدعاء في أن لا يحملنا ذلك ولكان الدعاء بذلك كالدعاء في أن يكون إلها خالقا على أصولهم ونص تعالى كما تلونا على أنه قد حمل من كان قبلنا الإصر وهو الثقل الذي لا يطاق وأمرنا أن ندعوه بأن لا يحمل ذلك علينا وأيضا فقد أمرنا تعالى في هذه الآية أن ندعوه في أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وهذا هو تكليف ما لا يطاق نفسه لأن النسيان لا يقدر أحد على الخلاص منه ولا يتوهم التحفظ منه ولا يمكن أحدا دفعه عن نفسه فلولا أن له تعالى أن يؤاخذ بالنسيان من شاء من عباده لما أمرنا بالدعاء في النجاة منه وقد وجدنا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مؤاخذين بالنسيان منهم أبونا آدم A قال الله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي يريد نسيانه عداوة إبليس له الذي حذره الله تعالى منها ثم آخذه على ذلك وأخرجه من الجنة ثم تاب عليه وهذا كله على أصول المعتزلة جور وظلم تعالى الله عن ذلك وقال D ولو شاء الله ما أشركوا ولو في اللغة التي بها نزل القرآن حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فصح يقينا أن ترك الشرك من المشركين ممتنع لامتناع مشيئة الله تعالى لتركه وقال تعالى وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ومشيئة الله هي تفسير إذن الله وقال تعالى ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله فهذا نص جلي على أنه لا يمكن أحد أن يؤمن إلا بإذن الله D له في الإيمان فصح يقينا أن كل من آمن فلم يؤمن إلا بإذن الله D وأنه تعالى شاء أن يؤمن وأن كل من لم يؤمن فلم يأذن الله تعالى له في الإيمان ولا شاء أن يكون منه الإيمان هذا نص هاتين الآيتين اللتين لا يحتملان تأويلا غيره أصلا وليس لأحد أن يقول أنه تعالى عنى الإكراه على الإيمان لأن نص الآيتين مانع من هذا التأويل الفاسد لأنه تعالى أخبر أن كل من آمن فإنما آمن بإذن الله D وأن من لم يؤمن فإن الله تعالى لم يشاء أن يؤمن فيلزمهم على هذا أن كل مؤمن في العالم فمكره على الإيمان وهذا شر من قول الجهمية وأشد فإن قالوا أن أذن الله تعالى ها هنا إنما هو أمره لزمهم ضرورة أحد وجهين لا بد منهما إماأن يقولوا أن الله تعالى لم يأمر الكفار بالإيمان لأن النص قد جاء بأنه تعالى لو أذن لهم لامنوا وأما أن يقولوا أن كل من في العالم فهم مؤمنون لأنهم عندهم مأذون لهم في الإيمان إذا كان الإذن هو الأمر وكلا القولين كفر مجرد ومكابرة للعيان ونعوذ بالله من الضلال .
قال أبو محمد الإذن ها هنا ومشيئته تعالى هو خلق الله تعالى للإيمان فيمن آمن وقوله لإيمانه كن فيكون وعدم إذنه تعالى وعدم مشيئته للإيمان هو أن لا يخلق في المرء الإيمان فلا يؤمن لا يجوز غير هذا البتة إذ قد صح أن الإذن ها هنا ليس هو الأمر وقال D ولقد