@ 320 @ سنخادعه ونستميله في رفق إلى أن يتركه يأتي معنا إليك ، ثم أكدوا ذلك الوعد بأنهم فاعلو ذلك لا محالة ، لا نفرط فيه ولا نتوانى . وقرأ الأخوان وحفص : لفتيانه ، وباقي السبعة لفتيته ، فالكثرة على مراعاة المأمورين ، والقلة على مراعاة المتأوّلين . فهم الخدمة الكائلون أمرهم بجعل المال الذي اشتروا به الطعام في رحالهم مبالغة في استمالتهم لعلهم يعرفونها أي : يعرفون حق ردها ، وحق التكرم بإعطاء البدلين فيرغبون فينا إذا انقلبوا إلى أهلهم ، وفرغوا ظروفهم . ولعلهم يعرفونها تعليق بالجعل ، ولعلهم يرجعون تعليق بترجي معرفة البضاعة للرجوع إلى يوسف . قيل : وكانت بضاعتهم النعال والأدم . وقيل : يرجعون متعد ، فالمعنى لعلهم يردون البضاعة . وقيل : تخوف أن لا يكون عند أبيه من المتاع ما يرجعون به . وقيل : علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة ، لا يستحلون إمساكها فيرجعون لأجلها . وقيل : جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ، ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة . قال ابن عطية : ويظهر أن ما فعله يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجباً عليه ، هذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة . .
{ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يأَبَانَا * أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * هَلْ امَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرحِمِينَ } : أي : رجعوا من مصر ممتارين ، بادروا بما كان أهم الأشياء عندهم من التوطئة لإرسال أخيهم معهم ، وذلك قبل فتح متاعهم وعلمهم بإحسان العزيز إليهم من رد بضاعتهم . وأخبروا بما جرى لهم مع العزيز الذي على إهراء مصر ، وأنهم استدعى منهم العزيز أن يأتوا بأخيهم حتى يتبين صدقهم أنهم ليسوا جواسيس ، وقولهم : منع منا الكيل ، إشارة إلى قول يوسف : فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي . ويكون منع يراد به في المستأنف ، وإلا فقد كيل لهم . وجاؤوا أباهم بالميرة ، لكنْ لما أنذروا بمنع الكيل قالوا : منع . وقيل : أشاروا إلى بعير بنيامين الذي منع من الميرة ، وهذا أولى بحمل منع على الماضي حقيقة ، ولقولهم : فأرسل معنا أخانا نكتل ، ويقويه قراءة يكتل بالياء أي : يكتل أخونا ، فإنما منع كيل بعيره لغيبته ، أو يكن سببلاً للاكتيال . فإن امتناعه في المستقبل تشبيه ، وهي قراءة الأخوين . وقرأ باقي السبعة بالنون أي : نرفع المانع من الكيل ، أو نكتل من الطعام ما نحتاج إليه ، وضمنوا له حفظه وحياطته . قال : هل آمنكم ، هذا توقيف وتقرير . وتألم من فراقه بنيامين ، ولم يصرح بمنعه من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة . وشبه هذا الائتمان في ابنه هذا بائتمانه إياهم في حق يوسف . قلتم فيه : وإنا له لحافظون ، كما قلتم في هذا ، فأخاف أن تكيدوا له كما كدتم لذلك ، لكن يعقوب لم يخف عليه كما خاف على يوسف ، واستسلم لله وقال : فالله خير حفظاً ، وقرأ الأخوان وحفص : حافظاً اسم فاعل ، وانتصب حفظاً وحافظاً على التمييز ، والمنسوب له الخير هو حفظ الله ، والحافظ الذي من جهة الله . وأجاز الزمخشري أن يكون حافظاً حالاً ، وليس بجيد ، لأن فيه تقييد خير بهذه الحال . وقرأ الأعمش : خير حافظ على الإضافة ، فالله تعالى متصف بالحفظ وزيادته على كل حافظ . وقرأ أبو هريرة : خير الحافظين ، كذا نقل الزمخشري . وقال ابن عطية : وقرأ ابن مسعود ، فالله خير حافظاً وهو خير الحافظين . وينبغي أن تجعل هذه الجملة تفسيراً لقوله : فالله خير حافظاً ، لا أنها قرآن . وهو أرحم الراحمين اعتراف بأن الله هو ذو الرحمة الواسعة ، فأرجو منه حفظه ، وأن لا يجمع على مصيبته ومصيبة أخيه . .
2 ( { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ ياأَبَانَا مَا نَبْغِى هَاذِهِ بِضَاعَتُنَا