والحق فيه أن الشرع قد ورد باستعمالها على سبيل الترادف والتوارد وورد على سبيل الاختلاف وورد على سبيل التداخل .
- أما الترادف ففي قوله تعالى { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ولم يكن بالاتفاق إلا بيت واحد .
وقال تعالى { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } .
وقال A " بني الإسلام على خمس ( 1 ) " .
وسئل رسول الله A مرة عن الإيمان فأجاب بهذه الخمس ( 2 ) .
- وأما الاختلاف فقوله تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } ومعناه استسلمنا في الظاهر فأراد بالإيمان ههنا التصديق بالقلب فقط وبالإسلام الاستسلام ظاهرا باللسان والجوارح .
وفي حديث جبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإيمان فقال " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره " فقال : فما الإسلام ؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس ( 3 ) فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل .
وفي الحديث عن سعد أنه A " أعطى رجلا عطاء ولم يعط الآخر فقال له سعد : يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو مؤمن ؟ فقال : A : أو مسلم ؟ فأعاد عليه فأعاد رسول الله A ( 4 ) .
- وأما التداخل فما روي أيضا أنه سئل فقيل : أي الأعمال أفضل ؟ .
قال A : الإسلام . فقال : أي الإسلام أفضل ؟ فقال A : الإيمان ( 5 ) .
وهذا دليل على الاختلاف وعلى التداخل وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل من الأعمال وهو أفضلها . والإسلام هو تسليم إما بالقلب وإما بالجوارح وأفضلها الذي بالقلب وهو التصديق الذي يسمى إيمانا والاستعمال لها على سبيل الاختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجوز في اللغة .
أما الاختلاف فهو أن يجعل الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب فقط وهو موافق للغة والإسلام عبارة عن التسليم ظاهرا وهو أيضا موافق للغة . فإن التسليم ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم فليس من شرط حصول الاسم عموم المعنى لكل محل يمكن أن يوجد المعنى فيه فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامسا وإن لم يستغرق جميع بدنه فإطلاق اسم الإسلام على التسليم الظاهر عند عدم تسليم الباطن مطابق للسان وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } وقوله A في حديث سعد " أو مسلم " لأنه فضل أحدهما على الآخر ويريد بالاختلاف تفاضل المسميين .
وأما التداخل فموافق أيضا للغة في خصوص الإيمان وهو أن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعا والإيمان عبارة عن بعض ما دخل في الإسلام وهو التصديق بالقلب وهو الذي عنيناه بالتداخل وهو موافق للغة في خصوص الإيمان وعموم الإسلام للكل وعلى هذا خرج قوله " الإيمان " في جواب قول السائل " أي الإسلام أفضل " لأنه جعل الإيمان خصوصا من الإسلام فأدخله فيه .
وأما استعماله فيه على سبيل الترادف بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والظاهر جميعا فإن كل تسليم وكذا الإيمان ويكون التصرف في الإيمان على الخصوص بتعميمه وإدخال الظاهر في معناه وهو جائز لأن تسليم الظاهر بالقول والعمل ثمرة تصديق الباطن ونتيجته وقد يطلق اسم الشجر ويراد به الشجر مع ثمره على سبيل التسامح فيصير بهذا القدر من التعميم مرادفا لاسم الإسلام ومطابقا له فلا يزيد عليه ولا ينقص وعليه خرج قوله { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } .
_________ .
( 1 ) - حديث " بني الإسلام على خمس " .
أخرجاه من حديث ابن عمر .
( 2 ) - حديث " سئل عن الإيمان فأجاب بهذه الخمس " .
أخرجه البيهقي في الاعتقاد من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس " تدرون ما الإيمان : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت الحرام " والحديث في الصحيحين لكن ليس فيه ذكر الحج وزاد " وأن تؤتوا خمسا من المغنم " .
( 3 ) - حديث جبريل لما سأله عن الإيمان " فقال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره فقال : فما الإسلام ؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس " .
أخرجاه من حديث أبي هريرة ومسلم من حديث عمر دون ذكر " الحساب " فرواه البيهقي في البعث وقد تقدم .
( 4 ) - حديث سعد " أعطى رجلا عطاء ولم يعط الآخر فقال له سعد يا رسول الله تركت فلانا لم تعطه وهو مؤمن فقال A أو مسلم فأعاد عليه فأعاد رسول الله A " .
أخرجاه بنحوه .
( 5 ) - حديث " سئل أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الإسلام فقال أي الإسلام أفضل فقال الإيمان " .
أخرجه أحمد والطبراني من حديث عمرو بن عنبسة بالشطر الأخير " فقال يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال الإيمان " وإسناده صحيح