أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام وهو وصف قائم بذاته ليس بصوت ولا حرف بل لا يشبه كلامه كلام غيره كما لا يشبه وجوده وجود غيره .
والكلام بالحقيقة كلام النفس وإنما الأصوات قطعت حروفا للدلالات كما يدل عليها تارة بالحركات والإشارات .
وكيف التبس هذا على طائفة من الأغبياء ولم يلتبس على جهلة الشعراء حيث قال قائلهم : .
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا .
ومن لم يعقله عقله ولا نهاه نهاه عن أن يقول : لساني حادث ولكن ما يحدث فيه بقدرتي الحادثة قديم فاقطع عن عقله طمعك وكف عن خطابه لسانك .
ومن لم يفهم أن القديم عبارة عما ليس قبله شيء . وأن الباء قبل السين في قولك بسم الله فلا يكون السين المتأخر عن الباء قديما فنزه عن الالتفات إليه قلبك فلله سبحانه سر في إبعاد بعض العباد { ومن يضلل الله فما له من هاد } .
ومن استبعد أن يسمع موسى عليه السلام في الدنيا كلاما ليس بصوت ولا حرف فليستنكر أن يرى في الآخرة موجودا ليس بجسم ولا لون .
وإن عقل أن يرى ما ليس بلون ولا جسم ولا قدر ولا كمية وهو إلى الآن لم ير غيره فليعقل في حاسة السمع ما عقله في حاسة البصر .
وإن عقل أن يكون له علم واحد هو علم بجميع الموجودات فليعقل صفة واحدة للذات هو كلام بجميع ما دل عليه من العبارات .
وإن عقل كون السماوات السبع وكون الجنة والنار مكتوبة في ورقة صغيرة ومحفوظة في مقدار ذرة من القلب وأن كل ذلك مرئي في مقدار عدسة من الحدقة من غير أن تحل ذات السماوات والأرض والجنة والنار في الحدقة والقلب والورقة فليعقل كون الكلام مقروءا بالألسنة محفوظا في القلوب مكتوبا في المصاحف من غير حلول ذات الكلام فيها إذ لو حلت بكتاب الله ذات الكلام في الورق لحلت ( 1 ) ذات الله تعالى بكتابة اسمه في الورق وحلت ذات النار بكتابة اسمها في الورق ولاحترق .
_________ .
( 1 ) في الأصل : " لحل ذات الله " وهو خطأ . دار الحديث