باب تعريف معرفة الإيمان والإسلام وشرائع الدين .
قال محمد بن الحسين : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله على كل حال وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليما .
أما بعد فاعلموا - رحمنا الله تعالى وإياكم - أن الله D بعث نبيه محمدا A إلى الناس كافة ليقروا بتوحيده فيقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فكان من قال هذا موقنا من قلبه ناطقا بلسانه أجزأه ومن مات على هذا فإلى الجنة فلما آمنوا بذلك وأخلصها توحيدهم فرض عليهم الصلاة بمكة فصدقوا بذلك وآمنوا وصلوا .
ثم فرض عليهم الهجرة فهاجروا وفارقوا الأهل والأوطان .
ثم فرض عليهم بالمدينة الصيام فآمنوا وصدقوا وصاموا شهر رمضان .
ثم فرض عليهم الزكاة فآمنوا وصدقوا وأدوا ذلك كما أمروا .
ثم فرض عليهم الجهاد فجاهدوا البعيد والقريب وصبروا وصدقوا .
ثم فرض عليهم الحج فحجوا وآمنوا به .
فلما آمنوا بهذه الفرائض وعملوا بها تصديقا بقلوبهم وقولا بألسنتهم وعملا بجوارحهم قال الله D : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } وقال D : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } وقال D : { إن الدين عند الله الإسلام } .
وقال النبي A : [ بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول لله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ] .
ثم بين النبي A لأمته شرائع الإسلام حالا بعد حال وسنذكرها إن شاء الله تعالى وهذا رحمكم الله تعالى طريق المسلمين فإن احتج محتج بالأحاديث التي رويت : [ من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ] .
قيل له : هذه كانت قبل نزول الفرائض على ماتقدم ذكرنا له وهذا قول علماء المسلمين ممن نعتهم الله D بالعلم وكانوا أئمة يقتدى بهم سوى المرجنة الذين خرجوا عن جملة ما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وقول الائمة الذين لا يستوحش من ذكرهم في كل بلد .
وسنذكر من ذلك ما حضرنا ذكره إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى الموفق لكل رشاد والمعين عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
حدثنا أبو بكر عمر بن سعيد القراطيسي قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس Bهما في قول الله D : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } قال : إن الله D بعث نبيه محمدا A بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الصيام فلما صدقوا به زادهم الزكاة فلما صدقوا زادهم الحج فلما صدقوا به زادهم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فقال جل وعلا : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : وكان المشركون والمسلمون يحجون جميعا فلما نزلت براءة نفي المشركون عن البيت الحرام وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين وكان ذلك من تمام النعمة أنزل الله D : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الصفار قال : حدثني محمد بن عبد الملك المصيصي أبو عبد الله قال : كنا عند سفيان بن عيينة في سنة سبعين ومائة فسأله رجل عن الإيمان ؟ فقال : قول وعمل قال : يزيد وينقص ؟ قال : يزيد ما شاء الله وبنقص حتى لا يبقى منه مثل هذه وأشار سفيان بيده قال الرجل : كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل ؟ قال سفيان : كان القول قولهم قبل أن تقرر أحكام الإيمان وحدوده إن الله D بعث نبينا محمدا A إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا : لا إله إلا الله وأنه رسول الله فلما قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله D فلما علم الله D صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالصلاة فامرهم ففعلوا فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم فلما علم الله D صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة فأمرهم ففعلوا فو الله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم فلما علم الله تبارك وتعالى صدق ذلك من قلوبهم أمرهم بالرجوع إلى مكة ليقاتلوا آباءهم وأبناءهم حتى يقولوا كقولهم ويصلوا صلاتهم ويهاجروا هجرتهم فأمرهم ففعلوا حتى أتى أحدهم برأس أبيه فقال : يا رسول الله هذا رأس شيخ الكافرين فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا هجرتهم ولا قتالهم فلما علم الله D صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبدا وأن يحلقوا رؤوسهم تذللا ففعلوا فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا هجرتهم ولا قتلهم آباءهم فلما علم الله D صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم بها فأمرهم ففعلوا حتى أتوا بها قليلها وكثيرها فو الله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا هجرتهم ولا قتلهم آباءهم ولا طوافهم فلما علم الله تبارك وتعالى الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهم من شرائع الإيمان وحدوده قال الله D : قل لهم : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
قال سفيان : فمن ترك خلة من خلال الإيمان كان بها عندنا كافرا ومن تركها كسلا أو تهاونا بها أدبناه وكان بها عندنا ناقصا هكذا السنة أبلغها عني من سألك من الناس