فانه لم حضر العسكر وحصره وصابره وأبصره وقصد منهج الرأي ومنهل الري من صوب الصواب فارتأى وارتوى ورأى من النهي أنه إن حاوله وطاوله انفض من الزاد وأقوى من القوى وكان السلطان ركب بكرة الأحد إلى صفد فصادف ضياء ضياعها بالأوهار زاهرا ورواء روابيها بالبهاء والبهجة ظاهرا وكرائم كرومها معلقة الأقراط وغروس عروشها مخلدة الأشراط والأرواح للأحوار والأشجار مشاجرة والشمال لتصفيقها بصفقة الشمول متاجرة والعناقيد روم وزنج بالعناقيد قيدت إلى السجون لتبريز ابريز الزرجون والأفنان المورقة المترنحة من فرقها بالفنون وقد ربى رباها وهدا هداها كافر لكافر وسوى أنحائها ونحى سوءها فاجر لفاجر فأباح العسكر حماها وأتى حتى إذا رامها وبالأذى رماها فما ترك نابتة إلا حصدها ولا نابتة الا قصدها ولا نابضة الا قصدها ولا رائضة الا رصدها وعاد ظهرا على العدو ظاهرا وللحصن حاصرا حاملا من تلك الغوارس لحشو المتارس عاملا لنصب المنجنيق عمل المقاسي ثم رأى أن يقدم على رفعه ونصبه جرا للجند إلى القتال وزحفا إلى اولئك الرجال المعدودة المحصورة بأولي العدة المصحرين من الرجال فما زحف حتى رجف وما جرى حتى جرف وما دلف حتى أوجف .
والفرنج إذا ذاك حشو الحوش كالذئاب في الجرأة بل في الوثوب كالوحوش وتسلق في الحائط من تسلى عن حوطة نفسه النفيسة وسخا بالروح العزيزة لدفع ما لزم الإسلام بسبب الحصن من الخسيسة فما انقضت ساعة حتى انقضت عليهم جماعة وهم كالشواهين المنقضة على البغاث وكائدي مخلفي الكرام إذا تصرفت في التراث فكل منقصد باب الحصن من الفرنج فر ونجا وثبت أقدام المقدمين وجاءهم الوجى وشجاهم الشجى وملكت الباشورة عنوة وكملت تلك المسورة حظوة فأطلقت النيران في أبواب الحصن وأخذت النقوب في كل جانب في الركن وأحاطت الجماعة بالسور المحكم إحاطة السوار بالمعصم والخلخال بالمخدم بل أحدقت به إحداق الأجفان بالحدقة والسياج بالحديقة واشرأبت إلى الشرب من ورد وريد أهل الباطل ظماء الظبى بأيدي الأيد من أهل الحق والحقيقة وإذا الخندق عميق والمزلق وثيق والمقصد سحيق والورد ما إلى طرقه طريق وأهل الوفاء تحت جفاء الجفاتي والنقاب النقاب لاجتهاده في جهاده منكب على استخراج الحجر العاتي وهو لا يؤاتي فكم جرح وأحرج حتى خرج الحجر وكم ضرج وأحوج حتى ضج منه الشجر والرماة الكماة على الخندق بثبات أقدامهم يمنعون الفرنج من إخراج رؤوسهم ويجبون بالمشرف إليهم من السهام خراج نفوسهم