/ صفحه 148 /
الأحكام لما يجدّ من الحوادث والوقائع، ولكن على أساس القواعد التي قررها أئمتهم للإستنباط، وهؤلاء يسمون مجتهدي المذهب أو أهل الاجتهاد المقيد، ومنهم من أخذوا في توسعة أقوال الائمة وتفصيل مجملها وتبيين مآخذها لتنتظم وقائع جديدة وهؤلاء يسمون أهل التخريج، ومنهم من أخذوا في الموازنة بين أقوال أئمتهم وترجيح أحدها بناء على أنه أرفق بالناس وأولى بالقياس.
وهذه الجهود وإن كانت جهوداً محدودة، كان فيها رفع لحرج الجمود والوقوف وأخذٌ من الفقه الإسلامي ليسير مع الحاجات والمصالح.
ولكن الضعف الذي انتاب المسلمين سياسياً وخلقياً وعلمياً قضى على هذه الجهود الجزئية ايضاً وسد باب الاجتهاد المقيد كما سد باب الاجتهاد المطلق، وأصبح المسلمون وليس لهم أن يستنبطوا من الكتاب والسنة، وليس لهم أن يخالفوا السابقين من الائمة، وكل معاملة تجد لهم أو حادث يطرأ لهم، عليهم أن يرجعوا فيه إلى اجتهادات الائمة السابقين ليعرفوا منهم حكم مالم يكن في عصرهم، وليطبقوا ما استنبطه السابقون لبيئتهم ولمصالحهم، حتى شرط الواقف الذي يجب ان يفهم حسب عرفه يجب أن نطبق فيه ما قاله السابقون في عرف سابق.
من هذا الايجاز تبين أن الفقه الإسلامي لما كان نامياً متجدداً في عهد الصحابة وفي عهد التابعين والائمة المجتهدين ساير مصالح الناس ووفى بحاجاتهم، ولما كان مرعياً بالتعهد والتجديد بعض الرعاية في أول عهد التقليد للأئمة المجتهدين، ظل كذلك يساير التطورات ويحقق المصالح، ولما وقف وجمد بسد باب الاجتهاد المطلق وسد أبواب الاجتهاد المقيد وقف عن مسايرة التطور والمصالح، وبهذا تمكن بعض ولاة الأمور من التشريع بالاهواء، والتقنين بما يحقق أغراضهم، سواء أخالف المجموعات الفقهية أم وافقها، وأدى ذلك الجمود وهذه القوضي إلى ان سنت للمسلمين قوانين من غير فقههم وأصبحوا عالة على غيرهم في التشريع كما أصبحوا عالة على غيرهم في الحرب والإقتصاد والتجارة وسائر مرافق الحياة وليس العيب عيب الفقه الاسلامي، وإنما العيب عيب المسلمين وجمودهم واستكانتهم للضعف