/ صفحه 344/
تناولت السورة هذين الأمرين، وركزت أولهما على آيات جائت في أولها، فبدأت ببيان أن الكتب السماوية، والعقل الذي منحه الله الإنسان ليفرق به بين الحق والباطل، ويستعين به على معرفة الهدى من الضلال، أنزلهما الله لغاية واحدة هى هداية الناس للحق "الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه، وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس، وأنزل الفرقان" ثم قررت خاصة الألوهية الحقة من العلم المحيط، والقدرة التامة، والحكمة في التدبير والتقدير " إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم" وأردفت هذا وذاك بالإشارة إلى منشأ الشبهة التي تعلق بها النصارى في ألوهية عيسى فأضلتهم عن الحق، مع تزييف هذه الشبهة بما لا يدع لها أثرا في النفوس التي خلاص استعدادها لمعرفة الحق والإيمان به، وكان ذلك في قوله تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب".
ويجدر بنا أن نبادر قراء "رسالة الإسلام" في هذا المقام بأن ما تضمنته هذه الآية ليس خاصاً بقضية الألوهية وما يتصل بها من أمر عيسى والنصاري، وإنما هو قاعدة كلية في تعرف منشأ الشبهات التي تميل بالناس عن الحق في أصول الدين وفروعه، وتجعلهم شيعاً وأحزابا، يكفر بعضهم بعضا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، فإذا قال الله: ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة" توسع بعضهم في تحميل لفظ "لهم البشرى في الحياة الدنيا" ما لا توحى به حقيقته التي يبينهما ويوضحها محكم الكتاب في كثير من الآيات الصريحة التي تجعل الأمر كله لله: يتوسعون بذكر أشياء لا محل لذكرها، ويغفلون أو يعرضون عن مثل قوله تعالى: "ألا له الخلق والأمر". "يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه". "والله يحكم لا معقب لحكمه" "إن الحكم