/ صفحة 4 /
أصيلة، لا مصنوعة ولا مدخولة، وما لها ألا تكون كذلك وهي من أمر الله، وقد أذكاها هذا الشعور المشترك بالظلم والاضطهاد، وهذه الجراح التي أئخنتهم، والقيود التي كبّلتهم، والهموم التي أثقلتهم:
قد قضى الله أن يؤلفنا الجر *** ح وأن نلتقى على أشجانه
كلما أنِّ بالعراق جريج *** لمس الشرق جنبه في عمانه
نحن في الفكر بالديار سواء *** كلنا مشفق على أوطان - هذه هي العاطفة التي يخشاها المستعمرون، ويعملون ما استطاعوا على إماتتها في نفوس المسلمين وتنشئة أجيالهم على نسيانها والتنكر لها، وكم من دعوات ما كرة ونزعات خبيثة أحيوها وروّ جوالها ليقطعونا بذلك في الأرض أمما ويتخذونا لهم عبيداً وخدما، ولكن الله أبطل سعيهم، وأفسد تدبيرهم، فبعث المسلمين خلقاً جديداً يأبون إلا أن يعيشوا في بلادهم أحراراً أعزة يدفعون عن أنفسهم بغى البغاة، وطغى الطغاة، وعما قريب سيهديهم الله ويصلح بالهم "و الذين جاهداو فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
إن خير ما يقوى به المسلمون، ويدفع عنهم غوائل أعدائهم: أن يقفوا صفاً قويا موحدا في جميع شعوبهم وبلادهم، لا تفسده النزعات، ولا توهنه العصبيات. إن المؤمن لا يعرف إلا نوعا واحداً من التعصب هو تعصبه لدينه، وإن هذا الدين لذو عمد وأركان هي أصول الإيمان ودعائمه التي كان عليها رسول الله وآله أصحابه صلوات الله عليهم، فما كان معارضا لها فهو الكفر البراح، وما كان من محدثات العلوم والمعارف التي لا تمس أصلا، ولا تضر بعقيدة، فليكن لكل منا ما يراه فيه دون شطط أو لجاج.
ألا وإن رحى الحرب دائرة بين جند الله وجند الشيطان، فليزحف المؤمنون على بركة الله صفأ واحداً لا عوج فيه ولا اضطراب "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص".