/ صفحه 202/
(فاته هذا العلم، مزج الصفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر.. وساء اختياره، ودل على قصور فهمه)(1)
ويرى السكاكي أن من أهم البواعث على دراسة البلاغة، طلب الاستعانة على فهم كتاب الله، فهو يذكر في مقدمة كتابه (المفتاح) أنه إذا كان المراد من علم الأدب مجرد الوقوف على بعض الاوضاع، فذلك أمر ميسور( أما إذا خضت فيه لهمة تبعثك على الاحتراز عن الخطأ في العربية، وسلوك جادة الصواب فيها، اعترض دونك منه أنواع تلقى لادناها عرق القربة، ولا سيما إذا انضم إلى همتك الشغف بالتلقي لمراد الله تعالى من كلامه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه

ـــــــــــ
1- من مقدمة كتاب الصناعتين للعسكرى.

و لا من خلفه).
ثم يعود في مقدمة علم المعانى والبيان، فيقول: (و فيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدس من كلامه، مفتقر إلى هذين العلمين، كل الافتقار، فالويل كل الويل لمن يتعاطي التفسير وهو فيهما راجل).
و هذا كلام سبق به عبد القاهر حين قسا بقلمه على بعض المفسرين، فرماهم بالجهل، ووسمهم بالغفلة، وجعل مرد ذلك إلى أنهم لا يحسنون فهم الدقائق والاسرار، وردده الزمخشرى في مقدمة كتابه (الكشاف) حيث نقل قول الجاحظ (و ليس كل ذى علم يستطيع أن يغوص على أسرار التفسير، وأن يدرك لطائف الايات) ثم جعل القدرة على ذلك وقفاً على من برع في علمى المعانى والبيان.
ومن العلماء من جعل الغاية الوحيدة من دراسة علوم البيان، معرفة سر الاعجاز، وببدو ذلك واضحاً في كلام عبدالقاهر في دلائل الاعجاز، وابن خلدون في المقدمة (و اعلم أن ثمرة هذا الفن ـ يريد البيان ـ إنما هو في فهم إعجاز القرآن).
و يرى القائلون بالصرفة، أن دراسة البلاغة أيضاً ضرورية لفهم إعجاز القرآن فإن هذه الدراسة تحقق للدارس معني الفصاحة، فهو في حاجة ماسة إلى دراسة فصاحة القرآن (ليقطع أنها كانت في مقدورهم من جنس فصاحتهم).