/ صحفة 120 /
تعالى ما يجب على المؤمنين أن يقيموا حياتهم عليه، من المبادىء والاحكام، والتحريم والتحليل، وأن يرتطبوا به ارتباط المتعاقدين الذين يسألون عن تنفيذ عقودهم، ويرجعون اليها متقيدين بها.
واليوم ندرس بعون الله موضوعا آخر تجلى اهتمام هذه السورة الكريمة به، وحرصها على توجيه الرسول الكريم فيه ـ باعتباره مؤسس هذه الأمة بأمر الله، وباني صرح مجدها وقوتها ـ توجيها قوياً فاصلا، لا يعرف التردد، ولا يسترسل في خطة المهادنة والمسالمة لمن لا تجدى معهم المهادنة والمسالمة.
هذا الموضوع هو حسم الأمر فيما يتعلق بأهل الكتاب بعد طول الصبر عليهم، والرفق بهم، والصفح عنهم، وتقبل جدالهم وما كان لهم من أسئلة لا يريدون بها الا الفتنة، والارجاف على العقول، وبث الشكوك في النفوس الضعيفة، وشغل الرسول والمؤمنين عن توطيد الدعوة، وترسيخ أصول الرسالة، والتربص لما عسى أن يجود به الزمن مع طول المداورة والمحاورة، من فرصة ينتهزونها للقضاء على هذا الرسول، الذي كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وقد كان اليهود في ذلك أشد على الإسلام ورسوله، صلوات الله عليه، من النصارى، وان كان لكل كفله من هذا الاثم.
جاءت السورة بحسم الأمر في هذا الشأن، وأقامت هذا الحسم على أمرين:
أحدهما: استلال كل معنى من معاني العطف على هؤلاء الماكرين المتربصين من نفس الرسول، وتسليته وتنقية صدره مما كان يراوده من الحزن على عدم ايمانهم بالحق وهم أعرف الناس به، وعلى مسارعتهم في الكفر، وتأييد أهل الأوثان وهم أهل كتاب، وورثة أنبياء.
والآخر: اعلان القطعية بين الإسلام وبينهم في صورة واضحة لا مجاملة فيها ولا ضعف، فالحق أحق أن يتبع، وجذور الشر لابد أن تقتلع، وصاحب المبدأ يحسن منه الصبر والترفق، ولكن إلى حين، فإذا تجاوز بالصبر حده كان