/ صفحه 6/
في قوله تعالى: ((أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)) فإعطاؤه الخلقَ كلَّ شيء هومظهر النعم المادية التي أنعم بها عليهم، حيث سخر لهم ما في السموات وما في الأرض، وهدايته هي مظهر النعم الروحية التي تفضل بها عليهم حيث وهبهم العقل وأسباب العلم، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وسن لهم الشرائع.
عُنيتْ سورة ((الأنعام)) بهذه الحقيقة كما عُنيت بالحقيقة الأولى، فتحدثت في كثير من آياتها عن الوحى والرسالة من جوانب شتى، بعضها يتصل بإثبات الوحى وبيان حكمتة والرد على منكريه، وبعضها يرجع إلى بيان ما هو من وظيفة الرسول وما ليس من وظيفته، وبعضها يتصل بموقف الناس أمام الرسالات الإلهية، وبعضها يتعلق بالآداب التي رسمها الله للرسول وما ينبغي أن يكون عليه سلوكه مع مخالفيه وموافقيه.
ومن الخير أن نعرض لهذه الجوانب التي عرضت لها هذه السورة الكريمة، متعرفين إلى أسلوبها الذي عالجتها به، منتفعين بهديها فيه.
سر إنكارهما ودليل ثبوتهما:
فمن ذلك أنها لخصت قضية الوحى والرسالة في صدر آية من آياتها، هي الآية الحادية والتسعون، يقول جل شأنه: ((وما قَدَرُوا الله حقّ قدْره إذ قالوا ما أنزَل الله على بشر من شىء)) فهذه الجملة على وجازتها تشتمل على ما يأتي:
(1) تسجيل كفر الكافرين بهذا الشأن الإلهى الذي هو إنزال الوحى على البشر.
(2) الإشارة إلى شبهتهم الأساسية التي يتوارثونها خلفا عن سلف في إنكار هذه الحقيقة، وهي استبعادُهم حصولَ ذلك، أو زعمُهم إغناء العقل عنه.
(3) إجمال الدليل الذي يُردّ به عليهم، وهو دليل صالح لكل عصر، ولكل ثقافة، لأ نّه دليل عقلي فطري فيه ذكر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.