/ صفحه 66/
((وإن الباحثين في التاريخ لهذا العهد قد رجعوا إلى هذا الأسلوب الذي سلكه القرآن من حيث التقديم والتأخير وقالوا ستأتي أيام يستحيل فيها ترتيب الحوادث والقصص بحسب تواريخها لطول الزمن وكثرة النقل مع حاجة الناس إلى معرفة سير الماضين وما كان لها من النتائج والآثار في الحاضرين)). ((وقالوا إن الطريق إلى ذلك هو أن ننظر في كل حادثة من حوادث الكون كالثورات والحروب وغيرها ونبين أسبابها ونتائجها من غير تفصيل ولا تحديد لجزئيات الوقائع بالتاريخ)).
((فهذا ضرب من ضروب الإصلاح العلمي جاء به القرآن وأيده سير الاجتماع في الإنسان)).
ونحن إذا درسنا أدب القصة في اللغات الأجنبية وضح لنا أن بلغاء كتاب الافرنج في عصورهم الأخيرة إذا ما أفرغوا مباديء الأدب والأخلاق وأطوار الاجتماع في قالب قصة قدموا وأخروا في أجزاء موضوعها بحيث تقرأ فاتحة القصة فلا تفهم شيئاً ثم كلما تسلسل الحديث بك ازددت فهما لها وتعقلا لموضوعها وأغراض مؤلفها. وكلهم يقول: إن هذا الأسلوب في وضع القصة هو أبلغ في التأثير وأشد في الإيقاظ وتحريك النفوس.
أما سر تكرار قصص الأنبياء في القرآن فقد ذكره ابن قتيبة في كتابه ((مشكل القرآن)) قال:
((أما تكرار الأنباء والقصص فان الله عز وجل أنزل القرآن نجوماً في ثلاث وعشرين سنة بفرض بعد فرض تيسيراً على العباد وتدريجاً لهم إلى كمال دينة ووعظ بعد وعظ تنبيها لهم من سنة الغفلة وشحذا لقلوبهم بمتجدد الموعظة)).
وكانت وفود العرب ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للإسلام فيقرئهم المسلمون شيئاً من القرآن فيكون ذلك كافياً لهم وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة فلو لم تكن الأنباء والقصص مثنيات ومكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم. فأراد الله بلطفه ورحمته أن يُشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع ويثنيها في كل قلب وأن يزيد الحاضرين في الافهام والتحذير.