/ صفحه 321/
ذكور النخل فيقطعه منها، ثم يصعد إلى طلع الإناث فيلقحها بطلع الذكور، وفي ذلك من المشقة والتعرض للخطر في الصعود إلى طوال النخل ما فيه، فكثيرا ما يقع الرجل في قيامه بذلك فيهلك، ولعل حادثة من ذلك حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فعزم على تجربة جديدة في تأبير النخل، وهي تقوم على نظرية علمية جاء بها القرآن الكريم، وسنبينها فيما يأتي، ولكنه حين عزم على ذلك في كل ثمار المدينة، لم يشأ أن يقوم بتجربته في كل ثمارها، لأن التجربة قد تخطئ، فإذا أجراها في كل الثمار وأخطأت كانت عاقبتها سيئة فيما يتعلق باقتصاد المدينة، لأنها كانت تعتمد في معيشتها على هذه الثمار فإذا فسدت اختل اقتصادها بفسادها، فلما خاف أن يحصل هذا من التجربة الجديدة أجراها في نخل قوم منهم، ولعله كان نخلا قليلا لا يتأثر حالهم به ويسهل تعويضهم عنه إذا كانوا في حاجة إليه.
فأما النظرية العلمية التي قامت هذه التجربة على أساسها، وجاء بها القرآن الكريم فيما جاء به، فقد وردت في قوله تعالى في الاية ـ 22 ـ من سورة الحجر: " وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ". قال ابن عباس: يعني لواقح للشجر. وهو قول الحسن وقتادة، وعلى أساسه تقوم هذه النظرية، وقيل إنها لواقح للسحاب، لأنها تحمل الماء فتمجُّه فيه ثم تمر به فيدُّر كما تدر اللقحة، وهذا قريب مما قاله الشاعر في السحاب:
شربن بماء البحر ثم ترَّفعْت متى لجج خضر لهن نئيجُ
وكل من هذا وذاك لا يساعده ما أثبته العلم الان في تأليف السحاب، فلا يصح أن يحمل عليه ما جاء من ذلك في القرآن الكريم، وقد أثبت العلم الان ما ذهب إليه ابن عباس وغيره من أن الرياح لواقح للشجر، لأنها تحمل طلع ذكورها إلى إناثها، وهي تكفي وحدها في أغلب الزروع والثمار، ولا تكفي وحدها في قليل منها كالنخيل، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجربها فيها، فأثبتت التجربة أنها لا تكفي فيها وحدها، وكانت هذه المحاولة العلمية من أروع اجتهاداته (صلى الله عليه وآله وسلم).