/صفحة 81/
والسنة فيما لا يجدونه فيهما، وليس لتأسيس الاجتهاد عمل غير هذا. نعم يرى بعض المستشرقين وتلاميذهم أن الاجتهاد إنّما نشأ بعد الصدر الأول، وأن الذي أنشأه واقتضاه إنّما هو تعقد الحياة بعد ظهور حاجات لم تكن موضع ابتلاء، وأن التوسع العلمي هو الذي كشفه ودل عليه.
قد يكون هذا صحيحاً اذا قيس بشروط الاجتهاد وأدواته التي اقتضاها التخصص بعد التعقيد والتقعيد، أما الاجتهاد المنطلق من النص وفق مفهومنا فقد تأسس في عهد النبي من غير ريب، يدلنا على هذا أكثر من توجيه النبي رسله ومبعوثيه: سلوك علي الاجتهادي يوم الشورى، اذ أصر على العمل برأيه جواباً على اضافة العمل بسيرة الشيخين إلى الكتاب والسنة في شرط عبد الرحمن المعروف، ولو لم يكن الاجتهاد بمفهومه الخاص هذا قائماً قبل الشيخين لما رفض على ـ وهو مهندس الإسلام ـ هذا الشرط، ولو جاز أن يضفى قدس الكتاب والسنة على قول غير الكتاب والسنة، أو سيرة غير سيرة النبي لساعد على علي رفع مستوى الشيخين إلى هذه الدرجة، ولكنه أراد التسوية بين عقول المجتهدين وآرائهم مع الاحتفاظ بالكتاب والسنة مركزاً للنقل، ولم يرد هذا الا ليكرس الاجتهاد مبدأ يحمل راية العقل، ويسمو بكرامته، ويغنى التشريع الصحيح بابداعه.
لا. لم يرد على هذا. ولكنه اتبع بارادته هذه عرفاً يألف الاجتهاد: هذا المصطلح من قبل، فان لم يألفه بلفظه ألفه باسم "العمل بالرأي" هذا ما أريد قوله.
9 ـ واذ أقف عند هذا الحد من تداعى الأفكار والخواطر أتساءل:
هل وضعت "الاجتهاد والنص" في اطاره من سلامة القصد وخدمة الفكر؟
هل حافظت على التصميم الذي رسمته للمقدمة فأرضى أبي وأعجبه؟
ولكن جواباً داخلياً يقطع علي سلسة هذه الاستفهامات فيقول:
حسب المدين من الاستقامة والانقان بذل الطاقة في التسديد، وللتقصير المبرر، محل العذر من سماح الكرام، إنّما تركت من قدر الكتاب ما لا ينغنى الوصف فيه عن العيان، ومن نفعه ما لا يدرك الا بالمراجعة والتمثيل؟