/صفحة 83/
لكن الامام علياً وحده هو الذي تمخض عنه هذا الائتمار الثلاثي، اذ انسل إليه ابن ملجم في غبش الظلام وهو يوقظ الناس لصلاة الفجر جريا على مألوفه وعادته، فهوى بسيفه على صلعته، فصاح الامام قائلا: فزت ورب الكعبة، شأنكم بالرجل.
لقد روع الناس هذا الحادث الجلل، وتأججت نيرانه في جوانحهم، وتجاوبت ألسنتهم بترداده على شفاههم، وخلده كثيرون في أشعارهم، فما قال بكر بن حسان الباهلي:
قل لابن ملجم ـ والاقدار غالبة ـ هدمت للدين والإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشى على قدم و أعظم الناس اسلاما وايمانا
وأعلم الناس بالقرآن ثم بما سن الرسول لنا شرعا وتبيانا
إلى آخر الأبيات.
يا لله لهذه التفرقة العجيبة بين الثلاثة، تصيب معاوية ضربة السيف من خلفه فلا ترديه، ويقول كما روى منسوباً إليه مغتبطا بما جرى من نجاة وفناء:
نجوت وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
ويتخلف عمرو عن الصلاة ليقتل بدله خارجة، وصدق في تمنيه ابن عبدون:
وليتها اذ فدت عمرا بخارجة فدت علياً بمن شاءت من البشر
لقد خلا الجو لمعاوية بعد مصرع الامام سنة 40 هـ فكبر أمله في الاستيلاء على الخلافة الإسلامية، والاستحواز على الأقاليم التي كانت تحت راية الامام.
غير أن جمهرة المسلمين في تلك الأقاليم: الحجاز واليمن والعراق وخراسان فوتوا عليه مأموله، اذ هبوا بنفوس مكلومة مما أصاب الامام، وقلوب مخلصة لآل البيت، فبايعوا بالخلافة ابنه الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنهض الحسن بأعبائها، وطابت له الخلافة أشهرا، قيل: خمسة أو ستة أو سبعة وأياما.