ـ(21)ـ
عن ذلك علوا كبيرا ـ ولا يقول أحد من المسلمين بذلك، ولذلك نرى بعض علماء الشيعة ينكرون البداء مطلقاً؛ لأنهم يفسرونه بهاذ المعنى.
ثم نلفت النظر إلى الجهة الثانية، أي: نسبة الظهور إلى العبد ويراد منه: ظهور أمر للعبد بخلاف ما كان ينتظره، فالظهور بهذا المعنى يتعلق بعلم العبد، ولا علاقة لـه بعلم الله سبحانه والآية الكريمة تفسر البداء بهذا المعنى: [وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون](1) ويفسرها شيخنا المفيد رحمه الله هكذا: (أي: ظهر لهم "للعباد" من فعله "فعل الله" بهم مالم يكن في احتسابهم)(2).
وإن اعتقاد الشيعة بالبداء مبني على هذا المعنى، ويمكن دعوى إجماع الأمة على صحته، ومعناه: أن البداء هو ظهور أمر غير مترقب، أو حدوث شيء لم يكن في حسبان العبد حدوثه ووقوعه فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يمحو ما يشاء ويثبت في الأمور التكوينية، كما أنّه يمحو ما يشاء ويثبت في الأمور التشريعية، فإنه تعالى كلّ يوم هو في شأن.
وشيخنا المفيد (رضي الله عنه) يقول في أوائل المقالات: (أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء، والإمراض بعد الإعفاء، والإماتة بعد الإحياء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق، والنقصان منها بالأعمال)(3).
وأما إطلاق لفظ البداء على هذا الاعتقاد فمبني على السمع كما بينه شيخنا المفيد رحمه الله في نفس الكتاب: (فأما إطلاق لفظ البداء: فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد وبين الله عز وجل، ولو لم يرد به سمع أعلم صحته ما استجزت إطلاقه، كما أنّه لو لم يرد علي سمع بأن الله تعالى يغضب ويرضى ويحب ويعجب لما أطلقت ذلك عليه سبحانه، ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول، وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف، وإنّما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه، وقد أوضحت من علتي في إطلاقه بما يقصر معه الكلام) (4) وتفصيل
__________________________________
1 ـ الزمر: 47.
2 ـ المسائل العكبرية للشيخ المفيد قدس سره: 224.
3 ـ أوائل المقالات للشيخ المفيد قدس سره: 53.
4 ـ أوائل المقلات للشيخ المفيد قدس سره: 53.