الروايات المشتركة في أركان الإسلام ودور الالتزام بها في الوحدة الإسلاميّة

الروايات المشتركة في أركان الإسلام ودور الالتزام بها في الوحدة الإسلاميّة

 

 

الروايات المشتركة في أركان الإسلام ودور الالتزام بها في الوحدة الإسلاميّة

 

عبد الجبار شرارة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يقوم الإسلام على أركان ودعائم جمعها حديث رسول الله نبيّنا وسيدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث قال: «بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أنّ لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحجّ وصوم رمضان»(1).

إنّ التعبير بالبناء على هذه الأُمور الخمسة التي عُدّت أركان الإسلام، دليل على أنّ ما يجمع الأُمّة الإسلاميّة ويوحّد بينها، ويميّزها من الأمم هو هذه الأركان أو الدعائم، فأيّة جماعة من الناس تعيش في حياتها وسلوكها، وتكون همومها ومواقفها مستندة إلى هذه الأمور فهي من أُمّة الإسلام، ويصدق عليها الإيمان، كما هو لسان الروايات الصحيحة.

والحقّ أنّ مثل هذه المشتركات أو الأركان يمكن أنّ توحّد بين جماعات بشرية مختلفة أرضاً ولغات وألواناً؛ فالمجموعات البشرية المتباينة قد يجمعها همّ اقتصادي واحد، فتجد طريقاً أو أسلوباً تتكافل بموجبِه، وقد يجمعها همّ سياسي واحد، أو اعتقاد واحد،

_______________________________________

1 ـ صحيح البخاري 1: 6.

ـ(414)ـ

أو شعار واحد، وقد رأينا شعوباً مختلفة تلتقي فعلاً وتتآزر وتتّحد استناداً إلى واحدٍ من هذه الأسس والهموم.

أما بالنسبة إلى أُمّة الإسلام فإنّ كلّ هذه الأسس والأركان تستند إليها، ويقوم الدين الإسلامي عليها، وهناك مبدأ الأخوّة الإسلاميّة الذي يقتضي الاشتراك في الهمّ الاقتصادي، على ما قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ليس منّا من بات شبعاناً وجاره جائع» والزكاة هنا أسلوب للتكافل شرّعه الإسلام، كما أنّ هناك الهمّ الذي يقتضي أن يكون المسلمون يداً على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وقد قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم»، ثمّ هناك الاعتقاد الواحد الذي يسوق المسلمين إلى التوجّه للصلاة وإلى الحجّ لتأدية مناسك واحدة، وتلك كلّها مرتكزات تقوم عليها الأُمّة الواحدة.

إنّ هذه الأركان والدعائم التي عليها بناء الإسلام قد اشتركت في روايتها كتب الفريقين، واجتمع على العمل بها أبناء الملّة الإسلاميّة في أقصى الأرض وغربها، السنّة والشيعة على حدّ سواء، ليس بينهم اختلاف ولم يعمل أحدٌ بخلافها لا تأوّلاً ولا اجتهاداً، فشهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله تصدع بها مآذن المسلمين في كلّ مكان، ويجتمع عندها الناس للصلاة في بيوت الله تعالى، والصوم في رمضان لا يختلف فيه اثنان فرضاً واجباً، والحجّ إلى بيت الله الحرام ملتقاهم ومهوى أفئدتهم، وهو مظهر الفتهم ووحدتهم، والزكاة تحكي تكافلهم، وتدلّ على صدق عهدهم لله وللرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بهذا كلّه التزم المسلمون على اختلاف الأوطان والألسن والألوان، وهم في طول هذه المدّة المديدة من حين البعثة النبويّة الشريفة يتنادون إلى النصرة كلّما دهمهم عدوّ كافر، ويتناصحون كلّما حزبهم أمر، ويتكافلون في البأساء والضرّاء، هذا على رغم ما زرعه العدو الحاقد من بذور الفتن، وما بثّه خصوم الإسلام قديماً وحديثاً من أسباب الخصام.

ـ(415)ـ

إنّ أهمّية بحث هذا الموضوع الحيوي (الأركان الإسلاميّة) تكمن في الإسهام بالتوعية بتلك الحقائق، والتبصير بتلك الأمور لتأكيد وحدة المسلمين، ولبيان أسباب العزّة والمنعة.

لقد بحثت هذا الموضوع وفق منهج علمي حديث في التحليل والمناقشة معتمداً المصادر الأساسيّة، وقد سلّطت الضوء على أبعاد الحديث النبوي الشريف، ودور تلك الأركان على نحو الأجمال والتركيز.

أمّا أهمّ المطالب التي تناولتها فهي:

المطلب الأوّل: تحقيق مسألة الأركان الإسلاميّة في كتب الفريقين.

المطلب الثاني: بيان الحدود والأركان الموجبة لعصمة دم المسلم وحرمة عرضه وماله.

 

المطلب الأوّل:

تحقيق مسألة «الأركان الإسلاميّة» في كتب الفريقين:

أخرج البخاري في الصحيح عن ابن عمر قال: قال رسول الله «بُني الإسلامُ على خمس: شهادة أنّ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ وصوم رمضان...»(1). والتعبير في هذه الرواية (بالبناء على ) يُشعرُ أنّ هذه (الخمس) هي أركان الإسلام ودعائمهُ والبخاري هنا يُعنون للباب الذي أخرج فيه الرواية بـ«باب قول النبيّ بُني الإسلام على خمسٍ».

وفي الكافي للكليني بابٌ معنونٌ بـ«باب دعائم الإسلام» يذكر فيه روايات بناء الإسلام على خمس، وسنأتي على ذكرها، إلاّ أنّه يوردُ روايةً رجالها ثقات عن الإمام

_______________________________________

1 ـ صحيح البخاري 1: 6، المطبعة اليمنية بمصر سنة 1312 هـ.

ـ(416)ـ

الصادق عليه السلام حيث قال: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس؛ شهادة أنّ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت وصيام شهر رمضان...»(1).

وهاتان الروايتان متّفقتان في أنّ الإسلام يقوم على هذا الأمور الخمسة، والواقع أنّ المسلمين اليوم – وكما أشارت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام – هم على هذا الحال: يشهدون الشهادتين وتصدع بها مآذنهم ومساجدهم في شرق الأرض وغربها، وهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون شهر رمضان، ويحجّون في كلّ عام إلى بيت الله الحرام، ولا نجدُ مسلماً يتهاون في ذلك أو لا يُولي اهتماماً لها، بل نجدُ الحوزات العلميّة والمعاهد الدينية في عموم أقطار المسلمين – في النجف الأشرف، وفي قم المقدّسة وعموم جمهورية إيران الإسلاميّة، وفي الأزهر الشريف وفي بلاد الحجاز، والشام، وفي تركيا والهند والباكستان، وفي بلاد المغرب العربي وفي كلّ البلاد التي يقطنها المسلمون – نجد تعليم هذه الشرائع والأحكام، كما أنّ المكتبات زاخرة بمؤلّفات المسلمين من الفقهاء والعلماء ممّا يختصّ بهذه الفرائض شرحاً وبياناً وتفصيلاً وتحقيقاً؛ وذلك كلّّه من أعظم دواعي الالتقاء والتقارب وأهمّ ما يشدّ أواصر المودّة والأُلفة، بلحاظ أنّ تلك الأمور من الشعائر التي يعظّمونها.

إنّ الروايات المصرّحة ببناء الإسلام على خمسٍ وهي شهادة أنّ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصوم رمضان، قد جاءت معها روايات أُخر تختلف عنها، وهي أيضاً صحيحة وصريحة في تحديد صِدقِ الإسلام أو بيان حدود الإيمان، ووجهة الاختلاف لا تنحصر في العدد المذكور بل في

_______________________________________

1 ـ أُصول الكافي 2: 20، المطبعة الإسلاميّة – طهران 1388 هـ.

ـ(417)ـ

الأمور المذكور أيضاً، إذ وردَ في الكافي في «باب دعائم الإسلام» ذكر الولاية(1) أحياناً مع المذكورات وأُخرى ليس كذلك، وتحقيق المسألة يقتضي أوّلاً أنّ نذكر مثل تلك الروايات في كتب الفريقين مع ذكر طرفٍ من المؤيّدات والشواهد التي تعزّز المطلب.

أوّلاً: الروايات المشتركة... وجهة الاختلاف:

في صحيح البخاري بإسناده إلى أبي هريرة قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بارزاً يوماً للناس، فأتاه جبرائيل فقال: ما الإيمان؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وتؤمن بالبعث: قال: ما الإسلام؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: الإسلام أن تعبدَ الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان...»(2) ويلاحظ هنا خلوّ الرواية من ذكر الحجّ.

وفي البخاري أيضاً أخرج في عدّة مواضع بالإسناد إلى ابن عباس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لوفد عبد قيس لمّا أمرهم بالإيمان بالله وحده: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تُعطوا من المغنم الخُمس...»(3) ويُلاحظ هنا خلوّ الحديث من ذكر الحجّ أيضاً، وزيادة ذكر الخُمس.

 وفي روايةٍ بالإسناد إلى طلحة، قال: «جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رجلٌ من أهل نجد ناثر الرأس نسمعُ دويّ صوته ولا نفقه ما يقولُ، حتّى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: خمسُ صلوات في اليوم والليلة. قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلاّ أنّ تطوّع، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وصيام رمضان، قال: هل عليَّ غيره قال: لا، إلاّ أنّ تطوّع قال: وذكر لـه الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلاّ أنّ تطوّع، قال: فأدبرَ

_______________________________________

1 ـ أُصول الكافي 2: 15، باب دعائم الإسلام.

2 ـ صحيح البخاري 1: 11.

3 ـ المصدر نفسه 1: 12.

ـ(418)ـ

الرجلُ وهو يقول: واللهِ لا أزيد ولا أنقص. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أفلحَ إنّ صدقَ»(1).

وهذه الرواية تخلو من ذكر الحجّ والخُمس.

ومن طُرق الشيعة وردت روايات أُخر بخلاف ما نقلناه في بداية البحث، ففي الكافي عن أبي جعفر قال: «بُني الإسلام على خَمس: على الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والولاية ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية...»(2). وفي رواية أخرى قال: قلتُ لأبي عبدالله: أوقفني على حدود الإيمان، فقال: شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله والإقرار بما جاء به من عند الله، وصلوات الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان وحجّ البيت وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصادقين...»(3)، فهذه الروايات تضمّنت ما ذكرته الروايات الأُخر وزيادة، وأورد الكليني بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية...»(4) وفيها عدم ذكر الصوم والحجّ.

وفي رواية أُخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بُني الإسلام على خَمسٍ: على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية،... فأخذ الناسُ بأربع وتركوا هذه يعني الولاية»(5).

وهذه الروايات وإن لم يرد فيها ذكر الشهادتين، فلأنّه بألحاظ أنّ تسمية الإنسان مسلماً لا يصحّ أصلاً إلاّ بعد النطق بهما، وإن الأمور المذكورة إنّما هي في قيام الإسلام، لأنّه بالمعنى الخاص إنّما يتشخص بهما ثمّ يأتي ذكر الفرائض التي بها قيامه، على أنّ الشهادتين ورد ذكرهما في الكافي، كما نقلناه.

ثانياً: يظهر من مجموع الروايات المذكورة في المقام، ومن غيرها في الأبواب المشار

_______________________________________

1 ـ صحيح البخاري 1: 11.

2 ـ أُصول الكافي 2: 15.

3 ـ المصدر نفسه 2: 15.

4 ـ أُصول الكافي 2: 15 – 16؛ والأثافي: جمع أُثفية وهي ما يوضع عليها القِدر.

5 ـ المصدر نفسه 2: 15.

ـ(419)ـ

إليها ممّا لم نذكره، ما يأتي:

1ـ إنّ التعبير عن الأركان أخذ صوراً مختلفة، فتارةً جاء التعبير (بالبناء على)، كما في قوله: «بُني الإسلام على خمس» وتارةً بالحدود (حدود الإيمان)، وتارة بالأسهم كما في رواية الوسائل: «الإسلام عشرة أسهم...»(1). وتارةً بالأثافي (جمع أُثفية)، وفي رواية جاء التعبير عنها بأصل الإسلام وفرعه وذروة سنامه، وفيها «الصلاة أصل والزكاة فرع وذروة السنام الجهاد...»(2)، ومع اختلاف هذه التعبيرات إلاّ أنّ المعنى المستفاد واحد، وهو أنّ أساسيّات الشريعة المقدّسة الإسلاميّة وأنّ تميّز المسلمين من غيرهم من الأمم فإنّما هو بالالتزام بهذه الفرائض والأحكام، وهذا هو مؤدى ومفاد الروايات.

2ـ إنّ تسمية الفرائض المطلوبة بعد الشهادتين – اللتين هما محلّ الاتفاق، كما سيأتي في المطلب الثاني - وإن وردَ في الروايتين الأوليين في بداية المطلب متفقاً عليها إلا أنّ ذكر (الخمس) هنا لا يراد به الحصر، إذ ذكر بعض تلك الفرائض أو الزيادة على الخمس، ممّا جاءت به الروايات الصحيحة أيضاً، ولا يُتصوّر التعارض هنا، إذ لا يعني أنّ غير المذكور لا أهمّية لـه، فلو دقّقنا النظر في الروايات الواردة في الفرائض المذكورة (3) على انفراد لوجدناها تتساوى من حيث الأهمّية، ومن هنا جاز لنا القول: إنّ الرواية المتضمّنة للزيادة على الخمس ناظرةٌ إلى الفرائض بلحاظ ما وردَ بشأنِ كلٍّ منها، وأنّ الراوي جمع

_______________________________________

1ـ وسائل الشيعة، الحر العاملي 1: 16، الطبعة المحقّقة، مؤسّسة آل البيت قم، 1409 هـ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «بُني الإسلام على عشرة أسهم: على شهادة أنّ لا إله إلاّ الله وهي الملّة والصلاة وهي الفريضة، والصوم وهو الجُنّة، والزكاة وهي المطهِّرة، والحجّ وهو الشريعة، والجهاد وهو العزّ، والأمر بالمعروف وهو الوفاء، والنهي عن المنكر وهو الحجّة، والجماعة وهي الألفة، والعصمة وهي الطاعة...».

2ـ أصول الكافي، باب دعائم الإسلام: 2: 15 – 16.

3ـ راجع ما جاء من روايات في باب الصلاة والزكاة والحجّ والصيام والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الفرائض في كتب الحديث وفي كتب الفقه عند جميع المذاهب.

ـ(420)ـ

بينها مرفوعةً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

ثالثاً: ولعلّ من المناسب هنا إيراد فذلكة في المقام تختصّ بمسألة الولاية، لما لها من أهمّية على مستوى البحث أوّلاً، ولإزالة ما قد يتوهّم من تعارضٍ أو يتصوّر من ضعفٍ في الرواية رَفعاً للالتباس؛ ويحسن أنّ نوردَ الرواية كاملة ليتّضح المطلب، ثمّ نوردُ الشواهد والمؤيّدات ونكتفي بذكر روايتين للكليني تفيان بالمطلب وكما يأتي:

الأولى: ورجالها ثقات، وهم: محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن صفوان بن يحيى عن عيس السّري أبي اليسع قال: قلتُ لأبي عبدالله عليه السلام: أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسعُ أحدٌ التقصير عن معرفة شيءٍ منها، الذي من قصّر عن شيءٍ منها فسدَ عليه دينُه، ولم يقبل الله منه عمَله، ومن عرفها وعمِلَ بها صلُحَ لـه دينه وقبل عملهُ... فقال: شهادة أنّ لا إله إلاّ الله، والإيمان بأنَّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحقّ في الأموال الزكاة، والولاية التي أمرَ الله عزَّ وجلَّ بها، ولايةُ آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: فقلتُ لـه: هل في الولاية شيء، فضل يُعرف لمن أخذ به قال: نعم، قال الله عزَّوجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فإنّ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إنّ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾(1).

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من مات ولا يعرف إمامَهُ ماتَ ميتةً جاهلية. وكان رسول الله وكان عليّ وكان الحسن وكان الحسين عليهم السلام..(2).

الثانية: عن أبي علي الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن عباس بن عامر بن أبان بن عثمان عن فضيل ابن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بُني الإسلام على خَمسٍ: على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا

_______________________________________

1 ـ سورة النساء: 59.

ـ(421)ـ

هذه – يعني الولاية - »(1).

وهاتان الروايتان وغيرهما تنبئان بمسألة الولاية، وتقدّمُ الأولى منهما تفسيراً مهمّاً لا تختلف عليه الأُمّة المسلمة (مفهوماً)(2)، فإطاعة وليّ الأمر هو صريح الآية المستشهد بها، ورواية (من مات ولم يعرف إمامه – وفي بعض الروايات السلطان – مات ميتةً جاهلية)، وهي أيضاً من الروايات المشهورات المعروفة، بل المتواترة معنىً (3) وكلاّ من الآية والرواية من أقوى وأكثر الأدلّة صراحة بالمراد (بالولاية) في الروايات المذكورة، نعم إنّما وقع الخلاف في (المصداق)، فذهبت طوائف من المسلمين إلى أنّ المراد العموم من وليّ أمر المسلمين بالحقّ وبالباطل، وذهبت طائفة إلى التخصيص بأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ونستعين بما وردَ في بعض الروايات الصحيحة عند طوائف المسلمين في تحديد وتشخيص المراد (بوليّ الأمر) في الآية، وبإمام الزمان الذي مَنْ لم يعرفه مات ميتةً جاهليةً تبييناً لوجهة النظر التي أخذ بها الشيعة.

_______________________________________

1ـ المصدر نفسه 2: 15.

2 ـ أي إنّ الآية صريحة في وجوب إطاعة (أُولي الأمر) وقد قرنها الله بطاعة رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: وهذا ممّا لا نزاع فيه إذ الأمر منصبٌّ على العموم.

3ـ جاء في التاج الجامع للأصول 3: 46: «عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، مات ميتةً جاهلية ومن قُتِلَ تحتَ راية عُمية يغضب للعصبية فليس من أمّتي...، وعن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: من خلعَ يداً من طاعة لقي الله لا حجّة لـه، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية... وعن عوف بن مالك عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال خيار أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم ويُصلّون عليكم وتصلّون عليهم.... وفي رواية أخرجها الترمذي قال: قال رسول الله: إنّ أحبَّ الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه إمام جائر». التاج 3: 50. وقد أخرج حديث (من مات بلفظه أو بمعناه كثير من أهل الصحاح والمسانيد والمصنفات وفي الكاشف للذهبي أخرجه عن عشرة من الصحابة، وأخرجه الحاكم في المستدر 1: 77، 117، وجامع الأُصول، لابن الأثير، من خرج من السلطان شبراً مات ميتةً جاهلية، حلية الأولياء، لأبي نعيم 3: 224، عن زيد بن أسلم راجع تحقيق المسألة تفصيلاً واستقصاءً في مصادر حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه للسيد مهدي فقيه الإيماني، مجلّة رسالة الثقلين، العدد 11، 1415 هـ. مجمع أهل البيت.

ـ(422)ـ

فأمّا «أُولي الأمر» في الآية المباركة فقد جاء في شواهد التنزيل(1) وفي تفسير الرازي(2)، وفي ينابيع المودّة (3) أنّ المقصود هم علي بن أبي طالب والأئمّة من ولده.

وجاء في الصواعق المحرقة في تفسير قوله تعالى: ﴿وقِفُوهُم إنّهُم مَسؤُولُونَ﴾(4) قال: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولاية عليّ (5)، قال ابن حجر: وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالى﴿وقِفُوهُم إنّهُم مَسؤُولُونَ﴾ أي عن ولاية عليّ وأهل البيت عليهم السلام، ثمّ قال ابن حجر مُعقّباً ومستدلاً: «لأنَّ الله أمرَ نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ يُعرّف الخلقَ أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً ﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إنّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾(6). والمعنى أنّه يسألهم هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أم أضاعوها (7) وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة، قال ابن حجر – مستمراً في كلامه – وأشارَ بقوله: كما أوصاهم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الأحاديث الواردة في ذلك وهي كثيرة، وسيأتي جملة منها في الفصل الثاني، ومن ذلك حديث مسلم عن زيد بن أرقم قال: «قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خطيباً: فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أما بعدُ أيها الناس إنّما انا بَشرٌ مثلكم يُوشك أنّ يأتيني رسول ربّي عزَّ وجلَّ فأُجيبه، وإنّي تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله عزَّ وجلّ فيه الهدى والنور فتمسّكوا بكتاب الله وخذوا به، وحثَّ فيه ورغّبَ، ثمّ قال: وأهلُ بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرات»(8).

قال ابن حجر: وأخرج الترمذي وقال حسنٌ غريب، «أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: إنّي تارك

_______________________________________

1ـ شواهد التنزيل 1: 148، الحسكاني.

2 ـ التفسير الكبير 3: 257، طبعة مصر.

3ـ ينابيع المودة: 114، 117، طبعة اسلامبول.

4 ـ سورة الصافات: 24.

5ـ الصواعق المحرقة: 89، وراجع شواهد التنزيل 2: 106 وتذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي.

6ـ سورة الشورى: 23.

7 ـ راجع ما نقلناه من رواية الإمام الصادق عليه السلام: عملوا بأربع وتركوا هذه (أي الولاية)

8 ـ الصواعق: 89.

ـ(423)ـ

فيكم ما إنّ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا فيمَ تخلفوني فيما» وأخرجه أحمد في مسنده.. قال ابن حجر: وفي روايةٍ صحيحة: «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي»(1).

وفي تفسير الآية الخامسة وهي قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(2) قال ابن حجر: أخرج الثعلبي في تفسيرها عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: نحن حبلُ الله (3) قال ابن حجر: وكان جدّه زين العابدين إذا تلا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾(4) يقول (أي زين العابدين) دعاءً طويلاً منه «وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجّوا بمتشابه القرآن فتأوّلوا بآرائهم واتّهموا مأثور الخبر... إلى أن قال: فإلى من يفزعُ خلف هذه الأُمّة، وقد دُرست أعلام هذه الملّة، ودانت الأُمّة بالفرقة والاختلاف والله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(5) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم إلاّ أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدُجى الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سُدىً من غير حجّة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وبرّأهم

_______________________________________

1ـ المصدر نفسه، راجع في حديث الثقلين المتواتر، صحيح مسلم، باب فضائل الصحابة 4: 1873، وراجع المراجعات، السيد عبدالحسين شرف الدين: 27 – 43، وراجع مصادر هذا الحديث في «مفتاح كنز السنّة» تحت كلمة العترة، وفي جامع أحاديث الشيعة، للإمام البروجردي 1: 124، وراجع صحيح الترمذي 5: 596، تحقيق كمال الحوت، طبعة در الفكر.

2 ـ سورة آل عمران: 103.

3 ـ الصواعق، السابق.

4 ـ سورة التوبة: 119.

5 ـ سورة آل عمران: 105.

ـ(424)ـ

من الآفات، وافترض مودّتهم في الكتاب»(1).

وقد ذكر ابن حجر في صواعقه (2) آيات أُخر وأحاديث كثيرة تؤكّد هذا المعنى وتنبّه إليه، ولعلّ من المناسب أنّ أورد رواية سعد بن أبي وقاص هنا لإلقاء مزيد ضوءٍ على هذه المسألة، حتّى لا يبقى تعلقٌ لمن يتوهّم وجود تعارضٍ بين الروايات أو ضعفٍ في رواية الكافي(3).

جاء في التاج الجامع للأصول: «عن سعد بن أبي وقاص قال: أمرني معاوية أنّ أسبَّ أبا تراب، فقلتُ: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ لـه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبُّ اليَّ من حُمرِ النعم: قد خلفه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بعض مغازيه فقال علي عليه السلام: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أما ترضى أنّ تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينّ الرايةَ رَجُلاً يُحبُّ الله ورسولَه، ويُحبّهُ الله ورسولُه، قال: فتطاولنا لها، فقال ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمدَ فبصقَ في عينه، ودفعَ الرايةَ إليه ففتحَ اللهُ عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(4) دعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمةَ وحسناً وحسيناً: وقال: اللّهم هؤلاء أهلي... رواه مسلم والترمذي».

هذا وقد وردت روايات كثيرة مستفيضة في كتب الفريقين نقلَ طائفة منها ابن حجر (5) أيضاً فيها تأكيد أنّ معرفتهم (أي الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام) براءة من النار،

_______________________________________

1ـ راجع فيما نقلناه، الصواعق المحرقة: 90-91، إشارة إلى آية المودّة: (الشورى: 23) وهي قوله تعالى: ﴿قل لا اسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾.

2ـ راجع الصواعق المتقدم: 89 وما بعدها.

3ـ كما توهّم بعضهم، نقل ذلك السيد المحقّق ثامر هاشم في كتابه دفاع عن الكافي 1: 95، وناقش الأمر مناقشةً وافية شافية، والكتاب هذا نشر مؤسسة الغدير للدراسات الإسلاميّة، قم، 1415 هـ.

4 ـ سورة آل عمران: 61.

5 ـ الصواعق المحرقة: 111، الميمنية، وراجع الكشاف، في تفسير آية المودّة.

ـ(425)ـ

وحبهم جواز على الصراط والولاية لهم أمان من العذاب، ولو أنّ رجلاً مات غير موالٍ لهم دخل النار،إلى غير ذلك كثير (1).

وعليه يكون حاصل ما ذكرناه أنّ مسألة الولاية استناداً إلى دلالة الآيات وصريح الروايات تُعدُّ شرطاً لصحّة الإيمان، ودعامةً للإسلام وسبباً للنجاة بعد التوحيد الخالص، وأداء الفرائض، لأنّه من غير المتصوّر أنّ يكون المسلم مؤمناً بالله وبالرسول وباليوم الآخر وملتزماً بالفرائض، ثمّ هو غير موالٍ ولا مُحبٍّ لأهل بيت الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو أنّه مبغض لهم، وقد صحَّ في الحديث، على ما ذكر ابن حجر أيضاً أنّ رسول الله قال: والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار(2).

 

المطلب الثاني:

الحدود والأركان الموجبة لحرمة المسلم:

إنّ ما يوجبُ حرمةَ دمِ الإنسان وعرضه وماله صدقُ الإسلام عليه بحدودٍ وفروضٍ، وهذه الحدود يشكّل الالتزام بها قيام أُخوّة الإسلام، وكيان الجماعة المسلمة، ألا وهي الشهادتان خاصّةً.

جاء في البخاري بسنده أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «من شَهِدَ أنّ لا إله إلاّ الله، واستقبلَ قبلتنا، وصلّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، لـه ما للمسلم وعليه

_______________________________________

1 ـ راجع في هذه الأحاديث أيضاً الشفاء للقاضي عياض، القسم الثاني طبع الأستانة سنة 1328 هـ. وينابيع المودّة: 24، 286، 314، القندوزي الحنفي، طبعة إسلامبول، وإحياء الميت للسيوطي، وتاريخ دمشق، لابن عساكر، ترجمة الإمام علي عليه السلام.

2 ـ الصواعق: 104، وفي الطبعة الحديث: 174، بتحقيق عبدالوهاب عبداللطيف، القاهرة ط 2، 1965.

وراجع الرازي في تفسيره لآية المودّة، وتحقيقه الطريف لمسألة الآل، وتأكيده أنهم عليّ وفاطمة والحسنان.

ـ(426)ـ

ما على المسلم»(1).

وبسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي لـه ذمّة الله وذمّة رسوله، فلا تحقروا الله في ذمّته»(2).

وفي الكافي للكليني: «الإسلام شهادة أنّ لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، به حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس»(3).

وفيه عن أبي جعفر عليه السلام: «الإسلام ما ظهر من قولٍ أو فعلٍ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، وبه حُقنت الدماء وعليه جرت المواريث»(4).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «أُمرت أنّ أقاتلَ الناس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فمن قال: لا إله الله عصمَ منّي ماله ودمه»(4).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «أُمرت أنّ أقاتلَ الناس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فمن قال: لا إله إلاّ الله عصمَ مني ماله ودمه»(5).

ومن مجموع هذه الروايات يتضح أنّ صِدقَ الإسلام ينطبق على من نطق الشهادتين أو صلّى صلاتنا واستقبل القبلة، وأنّه بهذا المِلاك عظّم رسول الله حرمة دمه وماله وعرضه، وإذا انعقدت الحرمة قامت الأخوّة في الدين ونشأت الروابط، وزالت أسباب الخصام والظلم، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه...»(6).

إنّ هذه الأحكام المتعلّقة بحرمة الدم والمال والعرض ممّا يقتضيه سلامة واستقامة الكيان الإسلامي، بل واستقراره وقوته، وعليه فالمسلمُ مأمور بمراعاتها وعدم التجاوز

_______________________________________

1 ـ صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب 31: 379، طبعة دار القلم، بيروت 1987 م.

2 ـ المصدر نفسه باب 1، حديث 378.

3 ـ أُصول الكافي 2: 20.

4 ـ المصدر نفسه 2: 22.

5 ـ صحيح مسلم 1: 38، 39.

6 ـ راجع أُصول الكافي 2: 139، وراجع التاج الجامع 5: 54 روايات بالمعنى.

ـ(427)ـ

عليها بحالٍ من الأحوال، اللهم إلا في الموارد التي استثناها الشارع المقدس، وترك أمر تنفيذها وأجرائها إلى (ولي الأمر) كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: «لا يحلُّ دم امرئ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيّب الزاني والمفارق لدينه»(1) أي المرتّد.

إنّ الإسلام لا يكتفي بتشديد الحرمة هنا في الموارد المذكورة، كما نبّه إلى ذلك الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في الحديث الصحيح: عن ابن عمر قال: «قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو بمنى وقد أشارَ إلى مكة المعظمة: أتدرون أيَّ بلدٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلم. قال: فإنّ هذا بلدٌ حرام. أتدرونَ أيَّ يومٍ هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: إنّه يومٌ حرام. أتدرونَ أيَّ شهرٍ هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا شهر حرام، قال: فإنّ اللهَ حرَّمَ عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»(2).

نعم إنّ الإسلامَ كما يلاحظ الحفاظ على كيان المسلمين، ويأمرهم بالالتزام بتلك الفرائض، وينبّهُ إلى أنّ ذمّة المسلمين واحدة، وأنّ المسلم ليس معصوم الدم والعرض والمال فحسب بل إنّ ذمّته ورأيه محترمان عند المسلمين، كذلك يلاحظ الإسلامُ مسألة تزكية الشعور الداخلي وتطهيره من الظنون والأوهام، وإبعاده عن الوساوس والشكوك التي ربّما تقوده من حيث يدري أو لا يدري إلى رمي الآخرين بالضلال والكفر لأقلّ تهمةٍ وأدنى شبهة أو اشتباه؛ نعم وردت التحذيرات المؤكدة من أنّ ينطلق الإنسان المسلم مع هواه، أو يُطلق لسانه غير متحرّج فيصيب به من عباد الله، ومن إخوانه في الدين بما يثير الحميّة والفتنة، وقد قال تعالى ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(3).

_______________________________________

1 ـ التاج الجامع للأصول 3: 11 قال: رواه الخمسة.

2 ـ مختصر صحيح البخاري: 38، حديث رقم 61، كتاب العلم.

3 ـ سورة الأنفال: 25.

ـ(428)ـ

وفي هذا الصدد ولتأكيد ضرورة حسن الظنّ بالمسلم، قَطَعَ الرسولُ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم الطريق على غير المتأثمين والمتحرّجين عندما قال: كما في الصحيح عن أبي ذرt عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: قال لي جبرائيل: «مَن ماتَ مِن أُمتكَ لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة، أو لم يدخل النار. قلتُ أي أبا ذر: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق»(1).

وقد عقّبَ السيّد شرف الدين على هذا الحديث قائلاً: «الظاهر أنّ الزنا والسرقة – كما في بعض الروايات هنا – كناية عن مطلق الكبائر، فيكون المراد أنّ من ماتَ على التوحيد دخل الجنة أو لم يدخل النار وإن ارتكب الكبائر على حدّ قوله في الحديث السابق، وهو حديث عبادة (2)، على أنّ عصاة المؤمنين يُعذّبون يوم القيامة على قدر ذنوبهم ثمّ ينالون الكرامة، ثمّ قال: فالأخبار الحاكمة بنجاة أهل القبلة على ما كان من العمل ليست ناظرة إلى أنّ العصاة منهم لا يرون العذاب أصلاً، وإنّما المراد أنّهم لا يخلدون في النار»(3).

والروايات مصرّحة بذلك:

ففي البخاري عن أنس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «يخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وفي قلبه وزن شعيرة من خيرٍ، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وفي قلبه وزن ذرة من خير»(4).

_______________________________________

1 ـ هناك روايات صحيحة كثيرة، تؤكّد هذا المعنى، فعن عبادة بن الصامت عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من شهد أنّ لا إله إلاّ الله وَحده لا شريك لـه، وأنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عليه السلام عبدُ اللهِ ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه والجنّة حقّ، والنار حقّ أدخله الله الجنّة على ما كان عليه من عمل.

راجع التاج الجامع للأصول 1: 31، الشيخ منصور علي ناصف، قال: رواه الشيخان، وفسّر في غاية المأمول في الهامش: (ما كان عليه من عملٍ) بقوله: أي من المعاصي.

2 ـ نقلناه في الهامش، عن التاج الجامع 1: 31.

3 ـ الفصول المهمة: 28.

4 ـ صحيح البخاري، الميمنية: 10، 11.

ـ(429)ـ

وعلّق الشيخ منصور ناصف على مثل تلك الروايات المصرِّحة بدخول من قال: لا إله إلاّ الله الجنّة، بقوله: سُئل الزهري عن ذلك فقال: إنّما كان هذا في أوّل الإسلام قبل إنزال الشرائع والأحكام ترغيباً في الدين الحنيف، ثمّ قال أيضاً: والمراد بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم «إلاّ حرّمه الله على النار» هي نار الخلود وإلاّ عارضتنا الأدلّة الدالة على تعذيب العصاة، كقوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾(1).

﴿وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾(2).

﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(3) وكذلك هنا أحاديث في أوّل كتاب الزكاة وكتاب الصلاة وكتاب الحدود كلّها تصرّح بتعذيب العصاة، فلا بدَّ من التأويل(4).

وممّا يؤيّد مثل هذه التوجيهات للروايات، ويدلَّ على أهمّية الفرائض والأحكام ما جاء من رواية أخرجها الكليني في الكافي، قال: عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام مَن شهِدَ أنّ لا إلهَ إلاّ الله، وأنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم رسول الله كان مؤمناً؟ قال: فأين فرائض الله؟ قال: وسمعته يقولُ: كان عليُّ عليه السلام يقول: لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام...(5).

نعم إنّ مثل تلك الروايات المتظافرة دعت كبار الفقهاء والعلماء إلى عدم تجويز

_______________________________________

1 ـ سورة النساء: 10.

2 ـ سورة النساء: 14.

3 ـ سورة النساء: 93.

4 ـ غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول، مطبوع في هامش التاج الجامع 1: 31، وراجع تجريد الاعتقاد للطوسي: 304، ط 1، تحقيق السيد الجلالي، نشر مؤسسة الإعلام الإسلامي، قم.

5 ـ أصول الكافي 2: 24.

ـ(430)ـ

رمي مسلمٍ ينطق بالشهادتين ويتوجّه إلى القبلة بالكفر أو نحوه.

جاء في شرح العقيدة الطحاوية، قوله: «لا نكفّرُ أحداً من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلّه، ولا نقولُ مع الإيمان ذنبٌ لمن عمله» (1).

قال في «الشرح» أراد بأهل القبلة قوله: «ونسمّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين يُشير بذلك إلى الردّ على الخوارج القائلين بالتكفير بكلّ ذنب... ثمّ قال: واعلم.. أنّ بابَ التكفير وعدم التكفير بابٌ عظمت الفتنةُ والمحنةُ فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتّتت فيه الأهواءُ والآراء وتعارضت فيه دلائلهم.. ثمّ يقول: لا خلاف بين المسلمين أنّ الرجلَ لو أظهرَ إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك فإنّه يُستتاب»(2).

وقد تواتر القول عن الشافعي بعدم تكفير أهل الأهواء والبدع من أهل القبلة، جاء في الصواعق المحرقة عنه: «أقبلُ شهادة أهل البدع إلاّ الخطابية»(3).

ولخَّص الغزالي في كتاب «الاقتصاد في الاعتقاد القول في المسألة، فقال تحت الباب الرابع المعنون بـ(بيان من ليس يجب تكفيره من الفرق): «إعلم أنّ للفرق في هذا مبالغات وتعصّبات، فإذا أردت أنّ تعرف سبيل الحقّ فيه فاعلم قبل كلّ شيء أنّ هذه مسألة فقهية، أعني الحكم بتكفير من قال قولاً، وتعاطى فعلاً، فإنّها تارةً تكون معلومة بأدلّة سمعية، وتارةً تكون مظنونة بالاجتهاد، ولا مجال لدليل العقل فيها البتة ولا يمكن

_______________________________________

1 ـ شرح العقيدة الطحاوية 2: 432، بتحقيق الدكتور عبدالله عبدالمحسن التركي، نشر مؤسّسة الرسالة، بيروت.

2 ـ المصدر نفسه 2: 433.

3 ـ الصواعق المحرقة 89، طبعة الميمنية بمصر. وقد علّق السيّد شرف الدين بعد نقله ذلك أيضاً على الخطابية، فقال: «وهم أتباع ابن الخطاب عمر بن مقلاص الأجدع لعنه الله والناس والملائكة أجمعون، كان قبّحه الله مغالياً في الإمام الصادق، وقد تبرّأ منه ولعنه وطلب البراءة منه ولعنه» راجع الفصول المهمة: 39.

ـ(431)ـ

تفهيم هذا الا بعد تفهيم قولنا إنّ هذا الشخص كافر والكشف عن معناه، وذلك يرجع إلى الإخبار عن مستقرّه في الآخرة، وأنّه في النار على التأييد، وعن حكمه في الدنيا وأنّه لا يجب القصاص بقتله، ولا يُمكّن من نكاح مسلمةٍ، ولا عصمة لدمه وماله إلى غير ذلك من الأحكام، وفيه أيضاً أخبارٌ عن قول صادر منه وهو كذب، أو اعتقاد وهو جهلٌ، ويجوز أنّ يُعرف بأدلّة العقل كون القول كذباً وكون الاعتقاد جهلاً، ولكن كون هذا الكذب وهذا الجهل موجباً للتكفير أمرٌ آخر»(1).

وهذا أشبه بضوابط عامّة للتكفير وقد تقدّمت النصوص المتواترة بعصمة دم من شهد الشهادتين وبحرمة من استقبل القبلة، ومعه كيف يتسرّع بعضٌ بالتكفير!

ويحسن أنّ نختم هذا المطلب فيما ذكره ابن حزم فيمن يُكفَّر ولا يُكفَّر في أواخر الجزء الثالث من كتابه «الفصل في الأهواء والملل والنحل» قال: «وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يُفسّق مسلم بقولٍ قاله في اعتقادٍ أو فتيا، وأنَّ كلّ من اجتهد في شيءٍ من ذلك ودانَ به بما رأى أنّه الحقّ فإنّه مأجور على كلّ حالٍ... قال: وهذا قول كلّ من عرفنا لـه قولاً في هذه المسألة من الصحابة، وهو قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري، وداود بن علي لا نعلم منهم خلافاً في ذلك»(2).

وقد عقّب السيد شرف الدين بعد نقله لذلك بقوله: «هذه الفتوى من هؤلاء الأئمّة تقطع دابر المشاغبين وتنقض أساس المهولين، لأنَّ خصومهم من أهل القبلة لم يقولوا قولاً ولم يعتقدوا أمراً إلاّ بعد الاجتهاد التام واستفراغ الوسع والطاقة، وبذل الجهد في الاستنباط من الكتب والسنّة وكلام أئمّة الهدى من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيكونون بحكم

_______________________________________

1 ـ الاقتصاد في الاعتقاد: 155.

2 ـ راجع: 247، من الجزء المذكور. بنقل السيد شرف الدين في الفصول المهمة: 37.

ـ(432)ـ

هؤلاء الأعلام (وهم أئمة السلف والخلف) مأجورين، وإن أصابوا أو أخطؤوا...»(1).

وقد عقد العارف الشعراني مبحثاً في الجزء من اليواقيت وهو المبحث (58) قال في آخره: فقد علمت يا أخي ممّا قرّرناه لك في هذا البحث أنّ جميع العلماء المتديّنين أمسكوا عن القول بالتكفير لأحدٍ من أهل القبلةِ ﴿... فَبِهُداهُم اقتَدِه...﴾(2).

_______________________________________

1 ـ الفصول المهمّة: 31، منشورات الرضي، قم ط 2، 1364 هـ ش.

2 ـ المصدر نفسه: 36 نقله عن اليواقيت، والآية: 90 من سورة الأنعام.