157 - الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون .
{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلّم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم كما روى الإمام أحمد عن رجل من الأعراب قال : جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما فرغت من بيعي قلت : لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه قال : فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي " فقال : برأسه هكذا أي لا فقال ابنه : أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال : " أقيموا اليهودي عن أخيكم " ثم تولى كفنه والصلاة عليه ( أخرجه أحمد عن الجريري عن أبي صخر العقيلي قال ابن كثير : هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح ) . وروى ابن جرير عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في التوراة قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي اسمك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولن يقبضه الله حتى يتم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله .
ويفتح به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا . وقد رواه البخاري في صحيحه وزاد بعد قوله " ليس بفظ ولا غليظ " ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح .
وقوله تعالى : { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر } هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدمة وهكذا كانت حاله E لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول : { يا أيها الذين آمنوا } فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه ومن أهم ذله وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه . عن أبي حميد وأبي أسيد Bهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " إذا سمعتم الحديث عني مما تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه " ( قال ابن كثير : رواه أحمد بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ) . وعن علي Bه قال : " إذا سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حديثا فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنى والذي هو أتقى " ( رواه الأمام أحمد ) . وفي رواية قال : إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حديثا فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه . وقوله : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } أي يحل لكم ما كانوا حرموه عن أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث قال ابن عباس : كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى قال بعض العلماء : فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين وقوله : { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " وقال صلى الله عليه وسلّم لأميريه ( معاذ ) و ( أبي موسى الأشعري ) لما بعثهما إلى اليمن : " بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا " وقد كانت الأمم الذين من قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " وقال : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولهذا أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقوله : { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه } أي عظموه ووقروه { واتبعوا النور الذي أنزل معه } أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس { أولئك هم المفلحون } أي في الدنيا والآخرة