وتأمل مناقشته ونقضه بالحجة أوهام المشركين في احتجاجهم لأباطيلهم بالمشيئة الإلهية إذ يقول في سورة الأنعام المكية سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البلغة فلو شاء لهداكم أجمعين 6 الأنعام 148 149 .
إلى غير ذلك من أدلة ساطعة وبراهين بارعة لا تكاد تخلو منها سورة من السور المكية .
ولكن القوم استحبوا العمى على الهدى فاستمرؤوا هذا الكذب والافتراء .
نسأل الله أن يكفينا شر الفتنة وأن يثبتنا على الحق فإن قلوب الخلق بيديه والأمر كله منه وإليه .
من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صرط مستقيم 6 الأنعام 39 .
المبحث الثامن .
في جمع القرآن وتاريخه والرد على ما يثار حوله من شبه ونماذج من الروايات الواردة في ذلك .
كلمة جمع القرآن تطلق تارة ويراد منها حفظه واستظهاره في الصدور .
وتطلق تارة أخرى ويراد منها كتابته كله حروفا وكلمات وآيات وسورا .
هذا جمع في الصحائف والسطور وذاك جمع في القلوب والصدور .
ثم إن جمعه بمعنى كتابته حدث في الصدر الأول ثلاث مرات الأولى في عهد النبي والثانية في خلافة أبي بكر والثالثة على عهد عثمان وفي هذه المرة الأخيرة وحدها نسخت المصاحف وأرسلت إلى الآفاق .
وقد أثيرت في هذا الموضوع شبه باردة لا مناص لنا من أن نكشف عنها اللثام ثم نعرضها لحرارة الحقائق العلمية الصحيحة حتى تذوب وتنماع أو تذهب وتتبخر فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال 13 الرعد 17 .
جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور .
نزل القرآن على النبي فكانت همته بادىء ذي بدء منصرفة إلى أن يحفظه ويستظهره ثم يقرأه على الناس على مكث ليحفظوه ويستظهروه ضرورة أنه نبي أمي بعثه الله في الأميين .
هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم أيته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين