بمعان أخرى كقوله تعالى هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق .
فإن المراد به العاقبة وما يعد به القرآن من المثوبة والعقوبة أي ما يؤدي إليه الأمر في وعده ووعيده فعلى المحقق المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه وينظر فيه فربما استعمل بمعان مختلفة كلفظ الهداية وغيره ويحقق كيف يتفق معناه مع جملته من الآية فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه وقد قالوا إن القرآن يفسر بعضه بعضا وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ موافقته لما سبق له من القول واتفاقه مع جملة المعنى وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته .
ثانيها الأساليب فينبغي أن يكون عنده من علمها ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته مع التفطن لنكته ومحاسنه والوقوف على مراد المتكلم منه نعم إننا لا نتسامى إلى فهم مراد الله تعالى كله على وجه الكمال والتمام ولكن يمكننا فهم ما نهتدي به بقدر الطاقة ويحتاج في هذه إلى علم الإعراب وعلم الأساليب المعاني والبيان ولكن مجرد العلم بهذه الفنون وفهم مسائلها وحفظ أحكامها لا يفيد المطلوب ترون في كتب العربية ان العرب كانوا مسددين في النطق يتكلمون بما يوافق القواعد قبل أن توضع أتحسبون ان ذلك كان طبيعيا لهم كلا وإنما هي ملكة مكتسبة بالسماع والمحاكاة لذلك صار أبناء العرب أشد عجمة من العجم عندما اختلطوا بهم لو كان طبيعيا ذاتيا لهم لما فقدوه في مدة خمسين سنة من بعد الهجرة .
ثالثها علم أحوال البشر فقد أنزل الله هذا الكتاب وجعله آخر الكتب وبين فيه ما لم يبينه في غيره وبين فيه كثيرا من أحوال الخلق وطبائعه وسننه الإلهية في البشر وقص علينا أحسن القصص عن الأمم وسيرها الموافقة لسنته فيها فلا بد للنظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم ومناشىء اختلاف أحوالهم من قوة وضعف وعز وذل وعلم وجهل وإيمان وكفر ومن العلم بأحوال العالم الكبير علويه وسفليه ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة من أهمها التاريخ بأنواعه .
أجمل القرآن الكلام عن الأمم وعن السنن الإلهية وعن آياته في السموات والأرض وفي الآفاق والأنفس وهو إجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علما وأمرنا بالنظر والتفكر والسير في الأرض لنفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالا ولو اكتفينا من علم الكون بنظرة في ظاهره لكنا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده لا بما حواه من علم وحكمة