وأما أن الله نسخ هذا الأمر قبل تمكن إبراهيم من امتثاله فيرشد إليه محاولة إبراهيم للتنفيذ بالخطوات التي خطاها والمحاولات التي حاولها وهي مفاوضة ولده حتى يستوثق منه أو يتخذ إجراء آخر ثم استسلامهما بالفعل لحادث الذبح وصرعه فلذة كبده وقرة عينه على جبينه كيما يضع السكين ويذبحه كما أمره رب العالمين ولكن جاء النداء بالفداء قبل التمكن من الامتثال وتنفيذ الذبح وبعيد كل البعد بل محال في مجرى العادة أن يكون إبراهيم قد وجد فرصة يتمكن فيها من الامتثال قبل ذلك ثم تركها حتى يقال إن النسخ بالفداء حصل بعد التمكن من الذبح فثبت أن أمره بالذبح قد نسخ بالفداء قبل التمكن من الامتثال ووقع هذا دليل الجواز بل هو أول دليل على الجواز .
الدليل الثاني أنه جاء في السنة المطهرة ما يفيد أن الله فرض ليلة المعراج على النبي وعلى أمته خمسين صلاة ثم نسخ الله في هذه الليلة نفسها خمسا وأربعين منها بعد مراجعات تسع من النبي بين موسى وربه وواضح أن هذا النسخ في تلك المرات التسع كان قبل أن يتمكن النبي وأمته من الامتثال وهذا الوقوع أول دليل على الجواز كما هو مقرر .
شبهات المنكرين ودفعها .
للمنكرين شبهات كثيرة منها ما صاغوه في صورة أدلة على إنكارهم ومنها ما وجهوه إلى أدلة المثبتين السابقة في صورة مناقشة لها وإبطال لدلالتها وها هي ذي نضعها بين يديك مشفوعة بما يدحضها .
الشبهة الأولى ودفعها .
يقولون لو نسخ الطلب قبل التمكن من امتثاله لكن طلبا مجردا من الفائدة ومثل هذا يكون عبثا والعبث على الله محال .
وندفع هذه الشبهة بأن الطلب في هذه الصورة لم يتجرد من الفائدة كما يزعمون بل إن من فوائده وحكمته ابتلاء الله لعباده أيقبلون أم يرفضون فإن قبلوه وأذعنوا له وآمنوا به ووطنوا أنفسهم على امتثاله فلهم أجر كبير وظهر فضلهم كما ظهر فضل إبراهيم في ابتلائه بذبح ولده إسماعيل مع أنه لم يتمكن من تنفيذ ما أمر به ومن أبى من عباد الله مثل هذا الطلب بأن ضلاله وخذلانه واستحق الحرمان والهوان عن عدل وإنصاف وما ربك بظلام للعبيد .
الشبهة الثانية ودفعها .
يقولون إن الفعل الذي ينسخ طلبه قبل التمكن من امتثاله إما أن يكون مطلوبا وقت