تناول الغداء عند غير هذا الداعي فإنه لا يحنث .
وما ذاك إلا لأن هذا اللفظ العام قد تخصص بسببه وهو كلمة تغد عندي التي خص بها الداعي نفسه فكأن الحالف قال لا أتغدى عندك وحدك ولذلك لا يحنث بغدائه عند غيره .
والجواب أن حكم الفقهاء في هذا المثال ليس مبنيا على أن كل عام يتخصص بسببه كما فهمتم بل هو مبني على أن هذا المثال وأشباهه تخصص بقرينة خارجة وهي حكم العرف هنا بأن الحالف إنما يريد ترك الغداء عند داعيه فقط .
وليس كلامنا فيما تخصص بقرينة خارجة سواء أكانت العرف أم سواه فذلك محل وفاق .
ونظيره أن يقال لك كلم فلانا في واقعة معينة فتقول والله لا أكلمه أبدا فإنك لا تحنث إذا كلمته في غير تلك الواقعة لأن العرف يحكم أيضا بأنك تريد عدم تكليمه في خصوص تلك الواقعة لا مطلقا .
ويمكن أن تنظم من هذا قياسا استثنائيا يقول .
لو لم تكن العبرة بخصوص السبب لكان من قال والله لا أتغدى ولم يقل عندك في إجابة من قال له تغد عندي حانثا إذا تغدى عند غيره .
لكن التالي باطل لنص الفقهاء على عدم حنثه حينئذ فبطل المقدم وثبت نقيضه وهو المطلوب .
دليل الملازمة أن كلمة لا أتغدى شاملة للتغدي عند المخاطب وعند غيره لأن حذف المعمول يؤذن بالعموم .
وقد جاءت هذه الكلمة على سبب وهو دعوة المخاطب إياه للغداء .
فلو أخذنا بعموم هذا اللفظ وأهملنا خصوص هذا السبب لكان يحنث بغدائه عند غيره لأنه فرد من أفراد ذلك العام .
والجواب أن التخصيص بالسبب هنا لم يجيء من نفس السبب إنما جاء من قرينة خارجة هي حكم العرف بأن حالف مثل هذه اليمين إنما يقصد عدم التغدي عند من دعاه وحده .
ولا كلام لنا في ذلك لأن التخصيص بالقرينة الخارجة محل وفاق كما تقدم .
الشبهة الخامسة يقولون إن التطابق بين السؤال وجوابه واجب في نظر الحكمة وبحكم قانون البلاغة .
وهذا التطابق لا يستقيم إلا بالتساوي بين لفظ العام وسببه الخاص .
والتساوي لا يكون إلا إذا خصصنا اللفظ العام بسببه الخاص .
لا سيما إذا وقع ذلك في كلام الشارع الحكيم وجاء في أرقى نصوص البلاغة وواحدها إعجازا وهو القرآن الكريم .
والجواب أن طرد العام على عمومه لا يخل بمطابقته لسببه الخاص لأن هذه المطابقة تحصل بكون اللفظ أعم من سببه كما تحصل بمساواته إياه فإن المقصود من المطابقة أن يكون اللفظ مبينا لحكم السبب وغير قاصر عن الوفاء به وهو إذا جاء أعم يكون قد وفى بالمراد وزاد