وجملة ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) ويجوز أن تكون مما يقال للمتقين بعد أن قيل لهم كلوا واشربوا الخ مسوقة إليهم مساق زيادة الكرامة بالثناء عليهم أي هذا النعيم الذي أنعمت به عليكم هو سنتنا في جزاء المحسنين فإذا قد كنتم من المحسنين فذلك جزاء لكم نلتوه بأنكم من أصحاب الحق في مثله ففي هذا هز من أعطاف المنعم عليهم .
والمعنى عليه : أن هذه الجملة تقال لكل متق منهم أو لكل جماعة منهم مجتمعة على نعيم الجنة وليعلموا أيضا أن أمثالهم في الجنات الأخرى لهم من الجزاء مثل ما هم ينعمون به .
A E ويجوز أن تكون الجملة موجهة إلى المكذبين الموجودين بعد أن وصف لهم ما ينعم به المتقون إثر قوله ( إن المتقين في ظلال وعيون ) الخ قصد منها التعريض بأن حرمانهم من مثل ذلك النعيم هم الذين قضوا به على أنفسهم إذ أبوا أن يكونوا من المحسنين تكملة لتنديمهم وتحسيرهم الذي بودئوا به من قوله ( إن المتقين في ظلال وعيون ) إلى آخره أي إنا كذلك نجزي المحسنين دون أمثالكم المسيئين .
وموقع الجملة على كلا الاعتبارين موقع التعليل لما قبلها على كلا التقديرين فيما قبلها ومن أجل الإشعار بهذا التعليل افتتحت ب ( إن ) مع خلو المقام عن التردد في الخبر إذ الموقف يومئذ موقف الصدق والحقيقة فلذلك كانت ( إن ) متمحضة لإفادة الاهتمام بالخبر وحينئذ تصير مغنية غناء فاء التسبب وتفيد مفاد التعليل والربط كما تقدمت الإشارة إليه عند قوله تعالى ( إن البقر تشابه علينا ) وتفصيله عند قوله ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) في سورة آل عمران .
والإشارة بقوله ( كذلك ) إلى النعيم المشاهد إن كانت الجملة التي فيها إشارة موجهة إلى المتقين أو الإشارة إلى النعيم الموصوف في قوله ( في ظلال وعيون ) إن كانت الجملة المشتملة على اسم الإشارة موجهة إلى المكذبين .
والجملة على كل تقدير تفيد معنى التذييل بما اشتملت عليه من شبه عموم كذلك ومن عموم المحسنين فاجتمع فيها التعليل التذييل .
( ويل يومئذ للمكذبين ) هي على الوجه الأول في جملة ( إن المتقين في ظلال وعيون ) تكرير لنظائرها . واليوم المضاف إلى ( إذ ) ذات تنوين العوض هو يوم صدور تلك المقالة .
وأما على الوجه الثاني من جملة ( إن المتقين في ظلال وعيون ) الخ فهي متصلة بتلك الجملة لمقابلة ذكر نعيم المؤمنين المطنب في وصفه بذكر ضده للمشركين بإيجاز حاصل من كلمة ( ويل ) لتحصل مقابلة الشيء بضده ولتكون هذه الجملة تأكيدا لنظائرها واليوم المضاف إلى ( إذ ) يوم غير مذكور ولكنه مما يقتضيه كون المتقين في ظلال وعيون وفواكه ليعلم بأن ذلك يكون لهم في يوم القيامة .
( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون [ 46 ] ) خطاب للمشركين الموجودين الذين خوطبوا بقوله تعالى ( إن ما توعدون لواقع ) وهو استئناف ناشئ عن قوله ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) إذ يثير في نفوس المكذبين المخاطبين بهذه القوارع ما يكثره خطوره في نفوسهم من أنهم في هذه الدنيا في نعمة محققة وأن ما يوعدون به غير واقع فقيل لهم ( كلوا وتمتعوا قليلا ) .
فالأمر في قوله ( كلوا وتمتعوا ) مستعمل في الإمهال والإنذار أي ليس أكلكم وتمتعكم بلذات الدنيا بشيء لأنه تمتع قليل ثم مأواكم العذاب الأبدي قال تعالى ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) .
وجملة ( إنكم مجرمون ) خبر مستعمل في التهديد والوعيد بالسوء أي أن إجرامكم مهو بكم إلى العذاب وذلك مستفاد من مقابلة وصفهم بالإجرام بوصف ( المتقين ) بالإحسان إذ الجزاء من جنس العمل فالجملة واقعة موقع التعليل .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) لرد إنكارهم كونهم مجرمين .
( ويل يومئذ للمكذبين [ 47 ] ) هو مثل نظيره المذكور ثانيا في هذه السورة .
ويزيد على ذلك بأن له ارتباطا خاصا بجملة ( كلوا وتمتعوا قليلا ) لما في ( تمتعوا قليلا ) من الكناية عن ترقب سوء عاقبة لهم فيقع قوله ( ويل يومئذ للمكذبين ) موقع البيان لتلك الكناية أي كلوا وتمتعوا قليلا الآن وويل لكم يوم القيامة .
( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون [ 48 ] )