- ( وأما ما اختلفوا فيه من الحيوان ) فمنه ما اختلفوا في نوعه ومنه ما اختلفوا في صنفه . وأما ما اختلفوا في نوعه فالخيل وذلك أن الجمهور على أن لا زكاة في الخيل فذهب أبو حنيفة إلى أنها إذا كانت سائمة وقصد بها النسل أن فيها الزكاة أعني إذا كانت ذكرانا وإناثا . والسبب في اختلافهم معارضة القياس للفظ وما يظن من معارضة اللفظ للفظ فيها . أما اللفظ الذي يقتضي أن لا زكاة فيها فقوله E " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " وأما القياس الذي عارض هذا العموم فهو أن الخيل السائمة حيوان مقصود به النماء والنسل فأشبه الأبل والبقر . وأما اللفظ الذي يظن أنه معارض لذلك العموم فهو قوله E " وقد ذكر الخيل ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها " فذهب أبو حنيفة إلى أن حق الله هو الزكاة وذلك السائمة منها . قال القاضي : وأن يكون هذا اللفظ مجملا أحرى منه أن يكون عاما فيحتج به في الزكاة وخالف أبا حنيفة في هذه المسألة صاحباه أبو يوسف ومحمد وصح عن عمر Bه أنه كان يأخذ منها الصدقة فقيل إنه كان باختيار منهم . وأما ما اختلفوا في صنفه فهي السائمة من الإبل والبقر والغنم من غير السائمة منها فإن قوما أوجبوا الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة سائمة كانت أو غير سائمة وبه قال الليث ومالك وقال سائر فقهاء الأمصار : لا زكاة في غير السائمة من هذه الثلاثة الأنواع . وسبب اختلافهم معارضة المطلق للمقيد ومعارضة القياس لعموم اللفظ . أما المطلق فقوله E " في أربعين شاة شاة " . أما المقيد فقوله E " في سائمة الغنم الزكاة " فمن غلب المطلق على المقيد قال : الزكاة في السائمة وغير السائمة ومن غلب المقيد قال : الزكاة في السائمة منها فقط ويشبه أن يقال إن من سبب الخلاف في ذلك أيضا معارضة دليل الخطاب للعموم وذلك أن دليل الخطاب في قوله E " في سائمة الغنم الزكاة " يقتضي أن لا زكاة في غير السائمة وعموم قوله E " في أربعين شاة شاة " يقتضي أن السائمة في هذا بمنزلة غير السائمة لكن العموم أقوى من دليل الخطاب كما أن تغليب المقيد على المطلق أشهر من تغليب المطلق على المقيد . وذهب أبو محمد بن حزم إلى أن المطلق يقتضي على المقيد وإن في الغنم سائمة وغير سائمة الزكاة وكذلك في الإبل لقوله E " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقه " وأن البقر لما لم يثبت فيها أثر وجب أن يتمسك فيها بالإجماع وهو أن الزكاة في السائمة منها فقط فتكون التفرقة بين البقر وغيرها قول ثالث .
وأما القياس المعارض لعموم قوله E فيها " في أربعين شاة شاة " فهو أن السائمة هي التي المقصود منها النماء والربح وهو الموجود فيها أكثر ذلك والزكاة إنما هي فضلات الأموال والفضلات إنما توجد أكثر ذلك في الأموال السائمة ولذلك اشترط فيها الحول فمن خصص بهذا القياس ذلك العموم لم يوجب الزكاة في غير السائمة ومن لم يخصص ذلك ورأى أن العموم أقوى أوجب ذلك في الصنفين جميعا فهذا هو ما اختلفوا فيه من الحيوان التي تجب فيه الزكاة وأجمعوا على أنه ليس فيما يخرج من الحيوان زكاة إلا العسل فإنهم اختلفوا فيه فالجمهور على أنه لا زكاة فيه وقال قوم : فيه الزكاة . وسبب اختلافهم اختلافهم في تصحيح الأثر الوارد في ذلك وهو قوله E " في كل عشرة أزق زق " خرجه الترمذي وغيره . وأما ما اختلفوا فيه من النبات بعد اتفاقهم على الأصناف الأربعة التي ذكرناها فهو جنس النبات الذي تجب فيه الزكاة فمنهم من لم ير الزكاة إلا في تلك الأربع فقط وبه قال ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وابن المبارك ومنهم من قال : الزكاة في جميع المدخر المقتات من النبات وهو قول مالك والشافعي ومنهم من قال : الزكاة في كل ما تخرجه الأرض ما عدا الحشيش والحطب والقصب . وهو أبو حنيفة . وسبب الخلاف إما بين من قصر الزكاة على الأصناف المجمع عليها وبين من عداها إلى المدخر المقتات فهو اختلافهم في تعلق الزكاة بهذه الأصناف الأربعة هل هو لعينها أو لعلة فيها وهي الاقتيات فمن قال لعينها قصر الوجوب عليها ومن قال لعلة الاقتيات عدى الوجوب لجميع المقتات . وسبب الخلاف بين من قصر الوجوب على المقتات وبين من عداه إلى جميع ما تخرجه الأرض إلا ما وقع عليه الإجماع من الحشيش والحطب والقصب هو معارضة القياس لعموم اللفظ أما اللفظ الذي يقتضي العموم فهو قوله E " فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بالنضج نصف العشر " وما بمعنى الذي والذي من ألفاظ العموم وقوله تعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات } الآية . إلى قوله { وآتوا حقه يوم حصاده } .
وأما القياس فهو أن الزكاة إنما المقصود منها سد الخلة وذلك لا يكون غالبا إلا فيما هو قوت فمن خصص العموم بهذا القياس أسقط الزكاة مما عدا المقتات ومن غلب العموم أوجبها فيما عدا ذلك إلا ما أخرجه الإجماع والذين اتفقوا على المقتات اختلفوا في أشياء من قبل اختلافهم فيها هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة ؟ .
وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس ؟ مثل اختلاف مالك والشافعي في الزيتون فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه ومنع ذلك الشافعي في قوله الأخير بمصر . وسبب اختلافهم هل هو قوت أم ليس بقوت ؟ ومن هذا الباب اختلاف أصحاب مالك في إيجاب الزكاة في التين أو لا إيجابها . وذهب بعضهم إلى أن الزكاة تجب في الثمار دون الخضر وهو قول ابن حبيب لقوله سبحانه وتعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات } الآية ومن فرق في الآية بين الثمار والزيتون فلا وجه لقوله إلا وجه ضعيف . واتفقوا على أن لا زكاة في العروض التي لم يقصد بها التجارة واختلفوا في أتجب الزكاة فيما اتخذ منها للتجارة ؟ فذهب فقهاء الأمصار إلى وجوب ذلك ومنع ذلك أهل الظاهر . والسبب في اختلافهم اختلافهم في وجوب الزكاة بالقياس واختلافهم في تصحيح حديث سمرة بن جندب أنه قال " كان رسول الله A يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع " وفيما روي عنه E أنه قال " أد زكاة البر " . وأما القياس الذي اعتمده الجمهور فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق أعني الحرث والماشية والذهب والفضة . وزعم الطحاوي أن زكاة العروض ثابتة عن عمر وابن عمر ولا مخالف لهما من الصحابة وبعضهم يرى أن مثل هذا هو إجماع من الصحابة أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلافه وفيه ضعف