العلوم الضرورية ولا المميز حال العاقل وما اكتسبه من العلوم النظرية فكذلك لا يعرف العاقل ما افتتح الله على أوليائه وأنبيائه من مزايا لطفه ورحمته ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وهذه الرحمة مبذولة بحكم الجود والكرم من الله سبحانه وتعالى غير مضنون بها على أحد ولكن إنما تظهر في القلوب المتعرضه لنفحات رحمة الله تعالى كما قال Aإن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها // حديث إن لربكم في أيام دهركم لنفحات الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وقد تقدم .
والتعرض لها بتطهير القلب وتزكيته من الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة كما سيأتي بيانه وإلى هذا الجود الإشارة بقوله A ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيافيقول هل من داع فأستجيب له وبقوله A حكاية عن ربه D لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشد شوقا // حديث يقول الله D لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي الحديث لم أجد له أصلا إلا أن صاحب الفردوس خرجه من حديث أبي الدرداء ولم يذكر له ولده في مسند الفردوس إسنادا .
وبقوله تعالى من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا // حديث يقول الله من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا متفق عليه من حديث أبي هريرة .
كل ذلك إشارة إلى أن أنوار العلوم لم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة المنعم تعالى عن البخل والمنع علوا كبيرا ولكن حجبت لخبث وكدورة وشغل من جهة القلوب فإن القلوب كالأواني فما دامت ممتلئة بالماء لا يدخلها الهواء فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بحلال الله تعالى .
وإليه الإشارة بقوله A لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء // حديث لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه وقد تقدم في الصيام .
ومن هذه الجملة يتبين أن خاصية الإنسان العلم والحكمة .
وأشرف أنواع العلم هو العلم بالله وصفاته وأفعاله فبه كمال الإنسان وفي كماله سعادته وصلاحه لجوار حضرة الجلال والكمال .
فالبدن مركب للنفس والنفس محل للعلم والعلم هو مقصود الإنسان وخاصيته التي لأجله خلق .
وكما أن الفرس يشارك الحمار في قوة الحمل ويختص عنه بخاصية الكر والفر وحسن الهيئة فيكون الفرس مخلوقا لأجل تلك الخاصية فإن تعطلت منه نزل إلى حضيض رتبة الحمار .
وكذلك الإنسان يشارك الحمار والفرس في أمور ويفارقها في أمور هي خاصيته وتلك الخاصية من صفات الملائكة المقربين من رب العالمين .
والإنسان على رتبة بين البهائم والملائكة فإن الإنسان من حيث يتغذى وينسل فنبات ومن حيث يحس ويتحرك بالاختيار فحيوان ومن حيث صورته وقامته فكالصورة المنقوشة على الحائط وإنما خاصيته معرفة حقائق الأشياء .
من استعمل جميع أعضائه وقواه على وجه الاستعانة بها على العلم والعمل فقد تشبه بالملائكة فحقيق بأن يلحق بهم وجدير بأن يسمى ملكا وربانيا كما أخبر الله تعالى عن صواحبات يوسف عليه السلام بقوله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم .
ومن صرف همته إلى أتباع اللذات البدنية يأكل كما تأكل الأنعام فقد انحط إلى حضيض أفق البهائم فيصير إما غمرا كثور وإما شرها كخنزير .
وإما ضربا ككلب أو سنور أو حقودا كجمل .
أو متكبرا كنمر أو ذا روغان كثعلب أو يجمع ذلك كله كشيطان مريد .
وما من عضو من الأعضاء ولا حاسة من الحواس إلا ويمكن الاستعانة به على طريق الوصول إلى الله تعالى كما سيأتي بيان طرف منه في كتاب الشكر فمن استعمله فيه فقد فاز ومن عدل عنه فقد خسر وخاب .
وجملة السعادة في ذلك أن يجعل لقاء الله تعالى مقصده والدار الآخرة مستقره والدنيا منزله والبدن مركبه والأعضاء