أبو القسم وأبو الحسن الأزدي الأندلس الشاعر المشهور قيل أنه من ولد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة وقيل من ولد أخيه روح وكان أبوه شاعراً من قرية من قرى المهدية انتقل إلى الأندلس فود له محمد المذكور باشبيلية ونشأ بها وحصل حظاً وافراً من الأدب وتمهر في النظم واتصل بصاحب اشبيلية وحظى عنده وكان منهمكاً على اللذات متهماً بمذهب الفلاسفة فنقم عليه وعلى الملك أيضاً أهل اشبيلية فأشار عليه بالغيبة فانفصل عنها وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة فلقي جوهر القائد فامتدحه وتوجه إلى المسيلة ونمى خبره إلى المعز بن تميم فطلبه فجاءه وأكرمه وبالغ في الأنعام عليه وتوجه المعز إلى الديار المصرية فشيعه ابن هانيء ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به فلما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها فأقام عنده أياماً فقيل أنهم عربدوا عليه فقتلوه وقيل بل خرج من عنده سكراناً فنام في الطريق فأصبح ميتاً ولم يعلم سبب موته وكان موته سنة اثنتين وستين وثلاث مائة كذا قيده ابن خلكان وقال صاحب المرآة : سنة خمس وستين ولما بلغت المعز وفاته تأسف عليه وقال هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا قال ابن خلكان : وليس في المغاربة من هو في طبقته لا امرأة متقدميهم ولا من متأخيريهم بل هو أشعرهم على الإطلاق وهو عندهم كالمتنبي في المشارقة وكانا متعاصرين قلت أما أبو العلاء المعري فكان يقول عن شعره هو بعر مفضض وإذا سمعه يقول رحى تطحن قروناً وهذا من التعصب المفرط لأن شعره يرشف خندريساً ويكسف من أشعار غيره شموساً ومن شعره القصيدة الفائية التي أولها .
أليتنا إذ أرسلت وارداً وحفا ... وبتنا نرى الجوزاء في أذنها شنفا .
وبات لنا ساق يدير مدامة ... بشمعة صبح لا تقط ولا تطفا .
منها بعد تشبيه كثير في النجوم : .
كان سهاها عاشق بين عود ... فآونة يبدو وآونة يخفى .
عارضه في هذه القصيدة جماعة ونسجوا على منواله ولم يتمسكوا في الحسن بأذياله منهم أبو محمد الخفاجي من قصيدته المشهورة : .
كان السهى انسان عين غريقة ... من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا .
أنشدني الشيخ الإمام شهاب الدين محمود لنفسه اجازة : .
كان السهى صب سها نحو ألفه ... يراعي الليالي جفنه لا ينامها .
وأنشدني بعض أهل العصر لنفسه : .
كان السهى كشاف حرب لدى الوغى ... ففي كره يبدو وفي فره يخفى .
وقال أبو السحاق الغزي القديم : .
كان السهى جسمي فليس بشاهد ... ولا غائب من شدة السقم البرح .
وقال ابن حمديس : .
كان السهى مضنى أتاه بنعشه ... بنوه وظنوا أن ميتته حتم .
وكلهم ما أصاب شاكلة الرمى غيره ومن شعره أيضاً القصيدة المشهورة أولها : .
فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ... وأمدكم فلق الصباح المسفر .
وجنيتم ثمر الوقائع يانعاً ... بالنصر من ورق الحديد الأخضر .
منها : .
لا يأكل السرحان شلو طعينهم ... مما عليه من القنا المتكسر .
ضمن بعضهم في هذا وقال هو بالذم أشبه منه بالمدح لأنه وصفهم أنهم يجتمعون جماعة على العدو وتتكسر رماحهم عليه حتى يقدروا عليه قلت ويحتمل أن يكون القتيل منهم أي الطعين من الممدوحين فلا يموت حتى تتكسر عليه رماح أعاديهم وهو ظاهر ومن شعره القصيدة النونية التي منها : .
المشرقات كأنهن كواكب ... والناعمات كأنهن غصون .
بيض وما شحك الصباح وإنما ... بالمسك من عرر الحسان يخون .
منها : .
أأعير لحظ العين بهجة منظر ... من بعدهم إني إذاً لخؤون .
لا الجو جو مشرق وإن اكتسي ... وخراً ولا الروض المعين معين .
منها في الخيل : .
عرفت بساعة سبقها لا أنها ... علقت بها يوم الرهان عيون .
وأجل علم البرق فيها أنها ... مرت بجانبتيه وهي ظنون .
والقصيدة الفائية الأخرى التي منها : .
ولقد هززت غصونها بثمارها ... وهصرتهن مهفهفاً فمهفهفاً .
فرددتها من راحتيه مرة ... وشربتها من مقلتيه قرقفا .
ما كان افتكني لو اخترطت يدي ... من ناظريك على رقيبك مرهفا