ذلك أوقع لها في السمع وأذهبَ بها في الدلالة على القصد ألا ترى أن المثَلَ إذا كان مسجوعا لذَّ لسامعه فِحفظه فإذا هو حفظه كان جديرا باستعماله ولو لم يكن مسجوعا لم تأنس النفسُ وبهِ ولا أنِقت لمستمعه وإِذا كان كذلك لم تحفظه وإذا لم تحفظه لم تطالبِ أنفسها باستعمال ما وضع له وجئ بِه من أجله .
وقال لنا أبو عليّ يوما قال لنا أبو بكر إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه فإنكم إِذا حفظتموه فهمتموه وكذلك الشعر النفس له أحفظ وإليه أسرع ألا ترى أن الشاعر قد يكون راعيا جِلْفا أو عبدا عَسِيفا تنبو صورته وتُمَجّ جُمْلُته فيقول ما يُقوله من الشعر فلأجل قبوله وما يورده عليه من طلاوتهِ وعذوبة مستمَعِه ما يصير قوله حُكْما يرجع إليه ويُقتاس بهِ ألا ترى إلى قول العبد الأسود .
( إن كنتُ عبداً فنفسِي حُرَّة كرَماً ... أو أسودَ اللونِ إِني أبيض الخُلُقِ ) .
وقول نُصَيْب .
( سِودت فلم أمِلك سوادِي وتحته ... قميصٌ من القُوهِيِّ بِيضٌ بنائِفُه )