بسم الله الرحمن الرحيم المقدّمة حظي السيد المسيح وأُمّه العذراء البتول(عليهما السلام) باهتمام خاصّ من الجانب الإسلامي. وهذا ما لا يشكّ فيه أحد، حيث تحدّثت آيات كثيرة من القرآن عنه وأُمّه، لدرجة أنّ هنالك سورة باسم أُمّه مريم(عليها السلام)، وبنفس المستوى وردت الأخبار في شأنهما(عليهما السلام). غير أنّه ثمة حقيقتان في هذا الإطار: الأولى: أنّ الاهتمام الإسلامي في شخصية السيد عيسى المسيح(عليه السلام) إنّما يعود إلى فجر الدعوة، فلم يأتِ متأخّراً ولا متعثّراً، وذلك حينما كانت الآيات تنزل تترى على النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) إّبان التبليغ السرّي لغرض تأسيس نواة أول خلية إسلامية تلتزم بشريعة السماء، لتبدأ منذ ذلك الحين رحلة العمل الدؤوب والمعاناة المستمرة. وظلّ الاهتمام متواصل رغم أنّ الرسالة لم تكن تضمّ آنذاك سوى أفراد معدودين، واستمرّ حتّى بعد أن أصبحت مركز استقطاب كبير للإنسانية المحرومة التي وفدت عليها زرافات زرافات طلباً للخلاص من الظلم والاضطهاد وضنك المعيشة. وأول تجربة واجهها المسلمون الأوائل في التعامل مع أتباع المسيح(عليه السلام) فتمثّلت بالهجرة الأولى إلى الحبشة. فنتيجة للمعاناة والقسوة اللتين تلقّاهما المسلمون الأوائل من جانب مشركي قريش، والوتيرة التصاعدية للسلوك العنيف الذي كان يمارسونه ضدّهم، وتطوّر بحيث بلغ مرحلةً خطيرةً هدّد من خلاله الوجود الرسالي برمّته، ممّا دعا النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)إلى الإيعاز بالهجرة إلى الجانب الآخر من الجزيرة، للحفاظ على أرواح البقية