/ صفحه 246/
ويضعون الخطط لخنقها ويتحالفون مع الوثنيين في الكيد لها والنيل منها فاضطر الإسلام أن يقابل الشدة بالشدة والكيد والكيد بالكيد، فعلت نغمة القرآن في التنديد بأهل الكتاب ووصف أساليبهم القديمة وخاصة اليهود وما فعلوه مع أنبيائهم.
فكان موقف المسلمين منهم موقف الدفاع لا الهجوم ومع ذلك فقد سمح لليهود والنصارى أن يؤدوا شعائرهم في المدينة، ونصح الرسول معاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن بأن لا يكره يهودياً على الإسلام، وفي كتابه إلى نصارى نجران سمح لهم أن يؤدوا شعائرهم وأن يتبعوا دينهم وأن تحفظ لهم كنائسهم وأن لا يُتدخل في شئونهم ما وفوا بعهودهم.
وسار الفقهاء من المسلمين على هذه التعاليم في فقههم من حسن معاملة أهل الكتاب، وأن يكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، بل لما فتحت فارس عومل أتباع زرادشت معاملة أهل الكتاب، ولئن قسا الاسالم بعض الشئ على الوثنيين دون أهل الكتاب، فلأنه يرى أن الوثنية انحطاط في الإنسانية يجب علاجها، وانتشال الإنسانية من حضيضها، وعلى هذا سار المسملون في أكثر تاريخهم على حسن معاملة أهل الكتاب، يحمونهم ما دفعوا الجزية، ويسمحون لهم بالعبادة في بِيَعِهم وكنائسهم، وهذه الجزية إنما شرعت بدل تجنيدهم لأنهم لا يأمنون جانبهم إذا جندوا، ولا يثقون بغيرتهم الحربية، فليدفعوا بدل القتال شيئاً من لمال لحمايتهم. لو قرنت معاملة المسلمين في دولهم لليهود والنصارى بمعاملة النصارى للمسلمين في دولهم، لتبين إلى أي حد كان التسامح عند المسلمين، وفقدانه عند النصارى، حتى لصحيح للمسلمين أن يفخروا بتشريع الفقهاء الاولين في معاملة أهل الذمة، وبتطبيق ذلك عليهم في مختلف الصور.
نعم حدث في التاريخ أحداث كثيرة لا تتفق وهذا التسامح الكريم، ولكن إذا دققنا النظر فيها وجدناها ترجع إلى أسباب أكثرها غير ديني، سواء في ذلك الاضطهاد الذي حدث بين المذاهب الإسلامية بعضها وبعض، أو بين المسلمين