/ صفحه 346/
ذكر رحمة ربك عبده زكريا " وسورة العنكبوت: " الم أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " وسورة الروم: " الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون"، وسورة القلم: " ن والقلم وما يسطرون ".
فنقول: نعم لم يأت بعد الحروف في اوائل هذه السور الأربع ذكر القرآن ولا تنزيله، ولكن جاء بعدها ما يشارك القرآن في أنه كان على غير السنن المألوفة للناس، فقصة زكريا ونداؤه لربه أن يهب له على الكبر وليا، واستجابة الله لهذا النداء وتبشيره اياه بيحيى، أمر جدير بأن تقرع له الاسماع، وتنبه له القلوب، وكذلك شأن سورة الروم التي أخبرت بغيب يحدث في المستقبل لا يشهد له الواقع الحاضر، فكان مما يحسن في هذا المقام أن يوجه الناس إلى نبأ هذا الغيب بمثل هذا الاسلوب، وسورة العنكبوت جاءت فاتحتها لتخلع الناس من شأن جرت عادتهم بالاستنامة اليه، والانصراف به عن الحق، ذلك هو الاكتفاء بظاهر الإيمان دون تحمل أعباء الجهاد في سبيله، والقيام بالتكاليف الالهية التي يقتضيها، ولا ريب أن هذا امر ألفت النفوس أن تركن اليه، وأنه يؤدي بالناس إلى الفساد في حياتهم ودينهم ويجعل الرسالات الالهية قليلة الجدوى في الإصلاح والاسعاد، فكان من الحكمة أن يلفت الناس لفتا قويا يغرس في قلوبهم أن سنة الله جرت بالاختبار والابتلاء تمحصياً للقلوب، وتمييزا للخبيث من الطيب " ما كان لله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب" " ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " أما سورة القلم فمهمتها لفت الانظار إلى ما يوحي به القلم من العلم والحكمة اللذين هما أساس هذا الدين وهدف ذلك الكتاب العظيم.
أما بعد فهذا هو الأثر الذي يقترن بسماع هذه الحروف في فواتح السور، أما معناها فلا أستطيع أن أقول فيه سوى هذه الكلمة الماثورة التي تعبر عن ايمان سلف صالح يؤمن حق الإيمان بعظمة الله وكتاب الله: الله أعلم بمراده.