/ صفحه 345/
اقرأ ذلك إن شئت تجد هذه السور كلها تتحدث عن القرآن أو تنزيل القرآن أو انزاله، وهو الكتاب الذي كان موضع الاخذ والرد فيما بينهم وبين الرسول، وهو الكتاب الذي جاء ليصرفهم عما هم فيه من ضلال وبغي، وهو الكتاب الذي وقفوا منه موقف المكابرة والعناد، وهو الكتاب الذي رموه بأنه أساطير الاولين، وبأنه حديث مفترى، وبأنهم لو شاءوا لقالوا مثله إلى غير ذلك مما كانوا يحاولون به صرف الناس عن القرآن والصد عنه، فبدأت هذه السور بهذا الاسلوب تأثيرا في قلوبهم، ولفتا لأنظارهم، ولا يخفى أن المفاجأة بالغريب الذي لم يؤلف، لها في إرهاف الاسماع، وتنبيه الاذهان ما لا يحتاج إلى بيان، وفي هذا ما يكشف عن السر في أن جميع هذه السور ـ ما عدا سورتين اثنتين ـ كان مما نزل بمكة حيث المعارضة في أوج شدتها وعنفها، حتى السورتان المدنيتان كانتا في أبان اشتداد المجادلة والمناقشة بين المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى، ومن شاء فليقرأ النصف الأول في كل من السورتين ليرى كيف انصرفت كل منهما فيه إلى الحجاج عن الحق، والمجادلة عن دعوة القرآن على نحو شبيه بما كان من شأن القرآن مع المشركين.
ولا ينبغي أن يقال ان كثيرا من السور بدأت بالتحدث عن إنزال القرآن الكريم، ومع ذلك لم تبدا بهذه الفواتح، وذلك كسورة الكهف " الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا" وسورة الفرقان: " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " وسورة الزمر: " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " وسورة القدر:" إنا أنزلناه في ليلة القدر " فانما جاء ذلك على سياق آخر قضى بذكر الحمد على إنزال الكتاب، أو التمجيد لمنزل الكتاب، أو التنويه بشأن الكتاب نفسه، ولم تسق هذه السور مساق التنبيه وقرع الاسماع على النحو الذي جاءت به السور التي ذكرنا، ولكل مقام مقال.
بقي أن يقال إن أربعا من السور التي بدئت بهذه الحروف لم يجئ بعد الحروف فيها ذكر القرآن وتنزيله كما جاء في غيرها، وهي: سورة مريم " كهيعص