/ صفحه 49 /
أي أن الناس كانوا أمة واحدة (فاختلفوا) فأرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين ليهدوهم إلى وجوه رفع الخلاف، لأن الحق لا يجوز الخلاف فيه.
وقد شدد الله في الزجر عن الخلاف في الدين لأن تفرق الكلمة فيه يؤدي إلى شر ضروب الانقسام بين الجماعات، ويلد أنكأ الضغائن بينها، وقد عرف أن أغول الحروب غولا، وأهولها هولا، كانت في جميع أدوار التاريخ الحروب الدينية. وقد أصاب المسلمين نصيب منها في القرن الأول من جراء تفرق الكلمة على الخلافة، كان أثرها في وقف الفتوحات الإسلامية ملحوظاً، على أنها كانت ذات طابع سياسي، ولكنها سرعان ما تطورت إلى خلاف ديني للعلاقة الأكيدة بين السياسة والديانة في الإسلام، ودخلت في تطورات شتى لم تنته الا وللمسلمين ثلاث وسبعون فرقة، ولولا أن الله حمى هذا الدين، لما بلغ المسلمون في النواحي العلمية والعملية، وفي بناء صرح المدنية في القرون الستة التي تلت وجوده، إلى مثل ما بلغه مما يذكره مؤرخو الاجانب مقروناً بالاعجاب والدهش من حكمة الديانة الإسلامية.
وبعد أن أصاب الدولة الإسلامية الضعف، وأذهبت طيباتها الفتن، اقتسمت بلادها بعض هذه المذاهب، فاستقل كل فريق في قطر وأخذ يعمل على شاكلته، وبقي خيال من كلمة جامعة لخلافة بغداد تشاركها فيها خلافة في الأندلس، وأخرى في مصر، وغيرها في غيرها مما حدا بشاعر ذلك الزمان أن يقول:
وتفرقوا شيعاً فكل مدينة فيها أمير المؤمنين ومنبر
من العجب العاجب ان يقع خلاف بين المسلمين، لا لأن الله سبحانه وتعالى نهى عنه وشدد في النهي فحسب، ولكن لأن أصول الإسلام جلية بينه لا تقبل التشكيكات، وقواعده قاطعة مانعة لا مجال معها لتعدد الاحتمالات. وقد أفرغت في صورة لغوية بلغت من ضبط المعاني، وتحديد المفاهيم، حداً لا يصادف في كلام أبلغ البلغاء. فان شوهد من الناس من يتوسع في استخراج معان مختلفة من ألفاظ معينة، فانه إنما يفعل ذلك على حساب نفسه لا على حساب الآيات.