/ صفحه 55 /
ومن أطعم أسير قوم أو كساه بغير إذنهم قتل، ومن وجد عبداً هارباً أو أسيراً قد هرب ولم يرده على من كان في يده قتل، وأن الحيوان تكتف قوائمه ويشق بطنه ويمرس قلبه إلى أن يموت ثم يؤكل لحمه، وأن من ذبح حيواناً كذبيحة المسلمين قتل، إلى غير ذلك من الأحكام.
وقد حرّف أهل مصر كلمة ياسا إلى سياسة، وأدخلوا عليها الألف واللام، فصارت السياسة، ثم قال: وكانوا ـ يعني المماليك ـ إنما ربوا بدار الإسلام ولقنوا القرآن وعرفوا أحكام الملة المحمدية، فجمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد إلى الردئ، وفوضوا لقاضي القضاة كل ما يتعلق بالامور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج، وناطوا به أمر الأوقاف والأيتام، وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية، واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع لعادة جنكيز خان، والاقتداء بحكم الياسا، فلذلك نصبوا الحاجب ليقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوائدهم، والأخذ على يد قويهم، وإنصاف الضعيف منهم على مقتضى ما في الياسا وجعلوا إليه مع ذلك النظر في قضايا الدواوين السلطانية عند الاختلاف في أمور الاقطاعات لينفذ ما استقرت عليه أوضاع الديوان وقواعد الحساب، وكانت من أجل القواعد وأفضلها حتى تحكم القبط في الأموال وخراج الأراضي فشرعوا في الديوان ما لم يأذن به الله تعالى ليصير لهم ذلك سبيلاً إلى أكل مال الله تعالى بغير حقه، وكان مع ذلك الحاجب يُحتاج إلى مراجعة النائب أو السلطان في معظم الأمور، هذا وستر الحياء يومئذ مسدول، وظل العدل صاف، وجناب الشريعة محترم، وناموس الحشمة مهاب، فلا يكاد أحد أن يزيغ عن الحق ولا يخرج عن قضية الحياء، إن لم يكن له وازع من دين، كان له ناه من عقل: ثم تقلص ظل العدل، وسفرت أوجه الفجور، وكشر الجور أنيابه، وقلت المبالاة وذهب الحياء والحشمة من الناس حتى فعل من شاء ما شاء، وتعدي ـ منذ عهد المحن التي كانت في سنة ست وثمانمائة ـ الحجّاب، وهتكوا الحرمة، وتحكموا بالجور تحكما خفي معه نور الهدى، وتسلطوا على الناس) هذه عبارة المقريزي نقلناها على طولها لأسباب.