/ صفحه 342/
كتابنا من أهل العلم والرأى في مختلف البلاد على نشره، والتعليق عليه بما نري، فان في الأناة خيرا، وإن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره قريب.
بيد أننا لا نرى بأساقى أن نعجل بكلمة عن موضوع التمس منا كثير من فضلاء أهل الحجاز حين كنا نؤدى الفريضة في العالم الماضي، أن، نعنى به، ونبين اللناس حقيقته، وقد سكتنا عليه كما سكتنا على غيره، أرتساما لخطة التقريب، ولكن إخواننا الحجازيين عتبوا علينا، وظنوا السُّكات منا قصورا أو تقصيرا، فمعذرة أيها الإخوان، وهذه كلمتنا باختصار:
إن رجال السياسة والحكم من النجديين يضيقون على أهل العلم والرأى في الحجاز تضييقا، ويلزمونهم ـ من طريق مباشر أو غير مباشر ـ أن يعتنقوا أراء معينة، ولا يسمحون لدرس علمى يقام في أحد المسجدين إلا إذا ألقاه نجدى أو "متنجد"، وقد كان من نتائج ذلك أن عانى العلماء الأحرار ـ ومازالوا يعانون ـ كثيرا من ألوان الضغط في دراساتهم ووظائفهم وأرزاقهم، وقد شهدت بنفسى كثيرا منهم منطوين على أنفسهم، متحفظين في أعمالهم، خائفين يترقبون، وكانوا إذا أمنو مجلسا أفاضوا بالشكاية فيه، واستنصروا من يتوسمون فيه القدرة على نصرهم، وللا توجسنا أن يصيبهم شر لذكرناهم أو بعضهم، ولبيّنّا ما يقاسون من الخوف والرهب في بلاد جعلها الله حرما آمنا.
إلا وإنه ليس الخوف أن يخاف المرء على دمه فحسب، ولكن الذي يخيفك في رأيك، أو يخيفك في رزقك، كالذى يخيفك على نفسك وروحك، وما بهذا تنصر الآراء، أو تنشر الأفكار، فدعوا لأهل العلم حرياتهم التي كفلها الله، واعلموا أن الرأى السليم هو الذي يصبر على التمحيص، لا الذي تؤيده دولة إن قامت اليوم فإنها زائلة غدا، وفى التاريخ الفكرى عبرة لمن أراد أن يدّكر.
"فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال"؟