/ صفحه 52/
ومعنى الرحمة على ما جاء في كتاب "مفردات القرآن" للعلامة التحرير الراغب الأصفهاني، هو رقة تقضي الإحسان إلى المرحوم، وعلى هذا قول النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاكرا ربه إنه لما خلق الرحم قال لها: (أنا الرحمن وأإنت الرحم، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك بتته) فالرحمة منطورية على معنين: الرقاقة والاحسان، فركز تعالى في طبائع الخلق الرقة وتفرد بالإحسان، وكما أن لفظ الرحم من الرحمة فمعناه الموجود فيالناس من المعنى الموجود لله تعالى، فتناسب معنيا هماتنا سب لفظيهما، وقوله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأ كتبها للذين يتقون) تنبيهه إلى أنها في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين وفي الآخرة مختصة بالمؤمنين.
لقد صدع الكتاب العزيز بحماية الحيوان وعدم ظلمه ومعاملته بالرق والرأفة والرحمة، من ذلك قولة تعالى: "و ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم" قال مجاهد رضي الله عنه أي أنها أصناف مصنفة تعرف باسمائها و"امثالكم" بمعني أشباهكم في إبداع الله إياها وخلقه لها، كما أبدع وأحسن صوركم، وقيل إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم وأكلهم ولباسهم ونومه ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم، كما هدى الآدميين في أحوالهم ومصالحم، وأنهم يموتون ويحشرون كما تموتون وتحشرون فأصناف العجهاوات في الدواب والطيور أشباهكم في الطبائع والغرائز، وبيز سبحانه وتعالى بهذه الآية سر الرحمة بأنه لا يجوز للعباد أن يتعدوا في ظلم البهاثم من أنوع الحيوانات مطلقا، فإن الله خالقها والمنتصف لها.(1)
وقال أحد الأفاضل المعاصرين(2): فما من حيوان ذي كبد رطبة إلا وفي الاحسان إليه والرحمة به أجر، ورطوبة الكبد كناية عن الحياة، أذ مظهر الحياة رطوبة الأكباد. وقد توسع بعضهم في معني الرحمة وعموم حكمها لكل حيوان
ـــــــــــ
(1) عن تفسير مجمع البيان للطبراي من علما‌ء الإمامية.
(2) هو فضيلة الأستاذ الشيخ إبراهيم الجبالي أحذ كبار علماء الأزهر.