/ صفحة 4 /
أن كل يوم يمر عليها فهو بفضل الله يوم لها، وأن كل قارئ يتصفحها فهو كسب كسبته، وأن كل فكرة تتردد على أقلام كاتبيها فهي غراس طيب لا يلبث أن تزهو ثماره، وندنو للناس قطافه (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طبية أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون).
* * *
لقد كان المسلمون إلى عهد قريب أمة تنازعتها الظنون على نفسها، وأفسدت الخلافات ذات بينها، وشغلتها عن المجد الأول، وعن منازل العزة التي أنزلها الله إياها بالإسلام والقرآن، شواغل مصنوعة مدخولة أثقلتها حتى جاز المخفُّون، وعوَّقتها حتى سبق المخَلَّفون، وكان أعداؤها يقفون منها موقف من يغري بين ديكة لتحترب، أو كباش لتنتطح، أو آساد ليصول بعضها على بعض، فتُنشَب أضغان وتسال دماء، وتُفرَي أدُم، وتهاض عظام، وكان قصاري ما يفعله نابهٌ إذا نبه أن يحوقل للشر دون أن يدفعه، أو يصد عنه حتى لا يراه أو يسمعه، فاستشري الداء، وتفاقم الخطب، وعظم الأمر، وصار المسلمون متقاطعين متدابرين. يتبادلون بينهم من العداوات ما لا يتنبادله أهل الديانات، وجرهم هذا التجافي إلى الجهل بأنفسهم، والاختلاف على مصادر علمهم، والاحتكام إلى موازين مختلفة، كل شعب يمسك بأحدها فيراه ميزان الحق والعدل، ويرى في غيره الباطل والجور.
ثم شاءت حكمة الله ورحمته أن يشرق النور من بين جحافل الظلام، وأن تبدو القافية من خَلل السقام (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا، وينشر رحمته، فهيأ للمسلمين تلك الجماعة الخالصة المخلصة التي تمثل طائفهم، وتحمع مفكريهم وقادتهم، وتدعو إلى إصلاح ذات بينهم، ويستوي لديها كل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ما دام لم ينكر من الدين معروفا، أو يعتنق منكراً، وها هي ذل (دار التقريب) ترسى أو تادها في قاهرة المعز، على ضفة النيل اليسرى، تجاه الأزهر الشريف الراسخ على ضفته اليمنى، فتعينه