/ صفحة 48 /
ولوكان ذا روح فقط أو جسم فقط لما طلب منه الكفاح. لكن طلب منه أن يكافح من أجل روحه، وذلك بأن يكبت رغباته الجسمية أو المادية ليساعد روحه على أن تصفى وتخلص، بعد صُوِّر له أن جسمه ظلمة وأن روحه نور، وأن، النور أشرف من الظلمة، ولذا وجب عليه أن يكون بجانب الأشرف منهما. ووسيلته كما ذكرنا أن يكافح ما فيه من ظلمة، وباستمرار كفاحه لهذه الظلمة يصير في النهاية نوراً خالصاً. إذن طلب منه أن يستبدل بالتعدد وحدة، وأن يصل عن طريق ثنائيته إلى واحد.
والناحية الجسمية في الإنسان جزؤه الأخس إذن، والناحية النورية أو الروحية فيه هي جزؤه الأشرف. وليس الشر إلا ذلك الأخس فيه، كما أن الخير ليس إلا ذلك الأشرف من جزأيه. وقد طلب من الإنسان أو فرض عليه أن يكون مكافحاً. وطلب منه أن يكون كفاحه موجهاً ضد جزئه الأخس لصالح الأشرف فيه، وبالتالي طلب منه أن يكون عاملا على محو الشر فيه ليخلص كله إلى الخير.
فلولا التعدد في الإنسان لما كان له كفاح، ولكن فرض عليه الكفاح فكفاحه من أجل الوحدة. فالتعدد فيه إذن أساس للوحدة. ولولا اعتبار أنه ذو شر وذو خير معاً لما كان له كفاح أيضاً، وحيث وجب عليه الكفاح فكفاحه للخير. فالشر كذلك إذن اساس للخير.
والقدامى يشتركون جميعاً في نظرتهم الازدواجية للإنسان لعي هذا النحو ويختلفون فيما بينهم كذلك في تحديد الوسيلة التي يكافح بها الإنسان التعدد أو الشر فيه. فإن هم نصحوا جميعاً بالصوم مثلا يختلفون بعد ذلك في مدته. وإن رضوا بالزهد وأمروا به كطريق لاضعاف الجسمية أو الشر يختلفون وراء ذلك فيما يجب أن يتناوله الزهد في حياة الإنسان من جوانب.
* * *
والأسرة قائمة على الازدواج أيضاً: أساسها ذكر وأنثى، وهدفها إضعاف ما في أصل تكوينها من إزدواج أو تعدد عن طريق التقارب النفسي بين الاثنين، أو عن