/ صفحة 135 /
يدعوه سابقة إلى لاحقه يمنعه بقدرته الإلهية عن استمراره فيه. والعبد وقدرته واختياره، كل ذلك بمشيئة الله وقدرته وتحت قهره ولو شاء لسلب قوة الخير فكان العبد شراً بطبعه لا خير، ولو شاء لسلبه قوة الشر فكان خيراً بطبعه لا شر فيه، ولكن حكمته الإلهية في التكليف والابتلاء قضت بما رسم وكان فضل الله على الناس عظيما.
ومن هنا يتبين أن العبد ليس مجبوراً، لا ظاهراً ولا باطناً، ولا مجزياً على ضلاله بإضلال الله إياه، فإن هذا أمر تأباه حكمة الحكيم وعدل العادل، وتمنع تصوره.
القضاء والقدر ليس معناهما الإلزام:
وبهذا يكون المؤمنون عمليين، لا يعتذر الواحد منهم عن تقصير في واجب بالفضاء والقدر، فليس في القضاء والقدر إلا القول المطلق، والحكمة الشاملة العامة، ليس فيها إلا الحكم والترتيب وربط الأسباب بالمسببات على سنة دائمة مطردة، هي أصل الخلق كله وهي أساس الشرائع كلها، وهي أساس الحساب والجزاء عند الله، وليس فيها شيء من معاني الإكراه والإلزام، وإنما معناهما الحكم الترتيب، فقضي: حكم وأمر، وقدر: رتب ونظم، وعلم الله بما سيكون من العبد باختياره وطوعه شأن المحيط علمه بكل شيء، ليس فيه معنى إلزام العبد بما علم الله أنه سيكون منه، وإنما هو العلم الكامل الذي لا يقصر عن شيء في الأرض ولا في السماء، ولا فيما كان وما يكون.
ونرجو أن يتسع الوقت لتتبع كل الآيات التي استخدمتها الفرق على اختلافها وتباين آرائها في تأييد مذاهبها وآرائها في هذه المسألة، ثم نوجه دلالتها على هذا الرأي الذي اخترناه.
(قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليم بحفيظ).
وإلى العدد المقبل إن شاء الله تعالى.