/ صفحة 176 /
ويقول الأستاذ الكاتب بعد ذلك: (وأما الأحكام الباقية فهي صريحة المخالفة للكتاب، ولا وجه لها لأنها في قبالة النص الصريح).
ونقول له: أما في مسألة الطلاق الثلاث، فإن الأمر قد اشتبه على كثير من المتكلمين في هذا الموضوع، فالذين ينقدون صنيع عمر يقولون: كيف جاز له أن يخالف نص القرآن في قوله تعالى: (الطلاق مرتان) وما كان على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أنه إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق ثلاثاً عدت واحدة? كيف يجعلها عمر ثلاثاً? وهل غاب عنه أن جعل الألفاظ والصيغ سبباً في كذا، إنما هو حكم وضعي ليس لأحد أن يجتهد فيه أو يبدله؟.
ولكن الحقيقة أن عمر لم يتعرض لوقوع الطلاق ثلاثاً، ولم يعارض حكم الله أو حكم رسوله وحاشاه، ولكنه أخرج الأمر على غير هذا، فرأى أن الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً في لفظ واحد، كان ذلك سبباً في وقوع طلقة واحدة، ومعنى هذا أنه يحق له مراجعتها بعد هذا القول، فهو قد جاء إلى هذا الحق فعاقب الناس على استعجالهم فيما كانت لهم فيه أناة بسلبهم إياه وحرمانهم منه، وللإمام أن يعاقب بالحرمان من بعض المباحات إذا وجد مصلحة في ذلك، كما تفعل الحكومات الآن في (منع التجول) بالليل مثلاً لظروف تقضي بذلك، مع أن التجول في ذاته مباح، فالخلاصة أن عمر لم يجعل الصيغة سبباً في وقوع ثلاث طلقات، بينما جعلها الشارع سبباً في وقوع طلقة واحدة، وإنما رأى أن يعاقب من يفعل ذلك ـ وهو مخالف للسنة ـ بحرمانه من حق له هو الرجعة، بمقتضى ماله من الهيمنة والسلطان، لا بمقتضى التشريع ومعارضة النص.
وأما عدم حده رضي الله عنه للمسلم الذي شرب، لما رأى الحد يؤدي إلى تنصره والتحاقه بالقسطنطينية، وعدم حده السارق في عام المجاعة، فالأمر فيهما يسير، فالأول تأجيل للحد لا إلغاء له، والثاني اعتبار للضرورة التي تبيح الإقدام على المحرم كأكل الميتة للمضطر.