/ صفحة 301 /
لعباده لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير) فمن الناس من لا يصلح له إلا الفقر، ولو اغتنى لفسد حاله، ومن الناس من لا يصلح له إلا الغني، ولو افتقر لفسد حاله، وإن لله جنوداً منها الفقر ومنها الغني:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلى الله بعض القوم بالنعم
وربما استطاع كثير من الناس أن يحتملوا الأدواء التي تعارفها المجتمع، وأن يصبروا عليها، ولكنهم لا يستطيعون أن يحتملوا داء الغنى، وربما سعوا إلى الطبيب يطلبون عنده الشفاء من أمراضهم، ولكنا لانرى رجلاً واحداً سأل الله العافية من داء الغنى.
فإنك لترى أكثر الناس حين يكونون على حالة من الكفاف، وضنك العيش، يكونون أقرب إلى الله وإلى الناس، عبادة مخلصة، وأخلاق فاضلة، ومعاهلات سمحة، فإذا ابتسمت الدنيا لهم ومشى الحظ في ركابهم، فأثروا بعد مرتبة، واغتنوا بعد فاقة، ذهب بهم الطغيان كل مذهب، وقطعوا كل صلة بماضيهم ورق دينهم، وساءت أخلاقهم، وتنكروا لأصدقائهم بالأمس وجفوا ذوى قرباتهم. بهذا يحدثنا القرآن الكريم، ويضرب لنا الأمثال، ويندد بهؤلاء، وينكر عليهم هذا التبدل في أخلاقهم، وهو إذ يعيب عليهم هذا، إنما يريد أن تظل الأخوة الصادقة قائمة بين الناس، وأن يسلم المجتمع من هذه الهزات الأخلاقية العنيفة. فيظل الترابط والتعاون والمودة، تظل كل هذه قائمة بين الأفراد، والجماعات، وما دام التفاوت في الارزاق أمراً لا مندوحة منه، فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً في تقطع الأواصر، ونقض الوشائج التي لا يقوم مجتمع صالح سليم إلا بها (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوه بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي) فقارون حين بسط الله له في الرزق بغى علي قومه، وتنكر لهم،