/ صفحة 37 /
وسجن ونفى، وسخرية واستهزاء، وقد كان رضي الله عنه يقابل كل ذلك بصبر وجلدوثبات ودأب، حرصاً على رسالته أن تتم، وآرائه أن تجد لها سميعا يتلقفها، وتلاميذ يتعشقونها ويقومون على نجاحها ولو بعد حين، ويبلغونها إلى من بعدهم جيلا بعد جيل، فإنه لا يظهر فضل الرجال إلا بمكافحة الأهوال، فمعادن الأنفس لا تصفو من شوائب الضعف في الحق 7 ولا تتمكن من مقعد الصدق إلا هوال، فمعادن الأنفس لا تصفو من شوائب الضعف في الحق، ولا تتمكن من مقعد الصدق إلا بعد أن تعرض على نيران المجن، وتذاب في بواتق الفتن "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" لذلك يبتلى نالله سبحانه وتعالى عباده المصلحين بقتن المفسدين ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق المبطلين. وإليك وصفاً لبعض ما لا قاه الإمام في حياته من شدة وعنت وتنغيص وتشتيت، وهو ضريبة المصلحين التي لابد أن يدفعوها من أنفسهم، وتؤخذ قسراً من رفاهتهم، وتقتطع من أوقات راحتهم ليتميز الخبيث من الطيپ "ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض".
كتب الأستاذ الإمام كتاباً إلى بعض أصدقائه من سجنه في منفاه يصف فيه حاله وما بلغه من الوشايات ممن كان يعدهم من أصدقائه أو مريديه، وهو قد كان يحسن إليهم، وتجود نفسه بالعطف عليهم.
تقلدتنى الليالى وهي مدبرة ***** كأننى صارم في كف منهزم
هذه حالتى: اشتد ظلام الفتن حتى تجسم بل تحجر بل، فأخذت صخوره من مركز الأرض إلى المحيط الأعلى، واعترضت ما بين المشرق والمغرب، وامتدت إلى القطبين، فاستحجرت في طبقاتها طباع الناس، أو تغلبت طبيعهها على الإنسانية فأصبحت قلوب الثقلين كالحجارة أو أشد قوة فتبارك الله أقدر الخالقين. سقطت الهمم، وخربت الذمم، وغاض مإ الوفاء، وطمست معالم الحق، وحرفت الشرائع، وبدلت القوانين، ولم يبق إلا يبق إلا هوى ييتحكم، وشوات تقضى وغيظ يحتدم، وخشونة تنفذ، تلك سنة القدر، والله لايهدى كيد يالخائنين.