/ صفحة 197/
وإذا توافرت هذه الشروط في المترجم فإن عليه قبل الشروع في ترجمة أي كلام أن يتفهم عبارته، ويعرف مقصوده مستعيناً بمنهج تفسير النصوص.
وينبغى أن يكون المترجم المتقن لعمله متعوداً على تفسير النصوص في اللغة التي ينقل منها واللغة التي ينقل إليها، وتفسير النص هو في الحقيقة أولى مراحل الترجمة، لأنه يمكننا من تحويل مضمون النص كما نتلقاه من عبارة صاحبه إلى معان ترتسم في أذهاننا نتصوّرها تصوراً واضحاً، وكأنها من نتائج أفكارنا.
وأول ما يرمى إليه تفسير النص هو فحص عبارة المؤلف بجميع الوسائل التي نتسلمها من علوم اللغة والبيان، ثم البحث عن مقصوده، وإذا تبين مقصوده فلننظر كيف تؤديه عبارته، وربما تكشفت لنا بواسطة هذا المنهج عيوب في تعبير المؤلف عن مقصوده مما يرجع إلى السهو أو التقصير في اللغة، وينبغى أن نكون من الحيطة والبصر بالامور بحيث نميز بين ما يجوز على المؤلف من سهو أو تقصير في اللغة وبين ما يعرض للكلام من سهو من تداولوه في النسخ والنقل، وما أحدثوا فيه من مختلف التصرفات، وأعنى بذلك أنه لابد في بادىء الأمر من ((تقويم النص)) أو ما يسمى بالفرنسية: Etablissement du Texte.
وللترجمة في اللغة العربية تاريخ مجيد طويل، إذ ترجم إليها الشيء الكثير عن اليونانى والسريانى والفارسى المتوسط، أي اللغة البهلوية، ويسميها العرب:
((اللسان الفارسى القديم)) والسنسكريتى أو لغة الهنود الدينية، وللنظر في هذا التاريخ تراجع كتب الفهرست لابن النديم، وعيون الانباء في طبقات الاطباء لابن أبي أصيبعة وأمثالهما، ومن المؤلفات الحديثة كتب اشتاينشنيدار M. Steinschneider وبرگشتراسر Bergstraesserو غيرهما من العلماء الغربيين.
واشتهر عند مترجمى الاسلاميين في العصر العباسى طريقتان في الترجمة تنحصر أولاهما في استيعاب النص المطلوب ترجمته وفهمه خير فهم مستطاع، ثم التعبير عنه بالعربى، وهذه طريقة حنين بين اسحاق المتوفى سنة 264 هـ. الموافقة سنة 877 م، وهو أشهر مترجمى العرب، والطريقة الثانية هي الترجمة الحرفية