/ صفحه 266/
الخيال من الشعر، أنه شعر فقيه! وحملوا ذلك على جميع أشعار الفقهاء والنحاة، والبلغاء وأصحاب القواعد في كل علم وفن.
و ربما ندرت أبيات من الشعر لبعض الفقهاء، فحملها النقاد على ا لشذوذ، الذي لا تسلم منه قاعدة، وربما أسيء به الظن من أجلها; كما وقع لعروة بن أذينة، أحد فقهاء المدينة وعبادها، وكان من أرق الناس تشبيها، فقد وقفت عليه
امرأة فقالت له: أنت الذي يقال فيك الرجل الصالح، وأنت القائل:
إذا وجدت أوار الحب في كبدي * * * أقبلت نحو سقاء الماء أبترد
هذا بردت ببرد الماء ظاهره * * * فمن لنار على الأحشاء تتقد؟!
و الله ما قال هذا رجل صالح! * * * ونحن إذا قرأنا له أيضاً قوله:
قالت ـ وأبثثتها وجدي وبجت به * * * قد كنت عندي تحت السمر فاستتر
ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها: * * * غطي هواك وما ألقي، على بصري
وافقنا هذه المرأة، على صدق العاطفة، ورقة الخيال في هذا الشعر; وإن خالفناها في إساءة الظن بصاحبه، تهدياً برد أستاذنا الفرزدق العظيم على سليمان ابن عبد الملك آنفا!
والحق أن للفقهاء في جميع عصور الأدب الإسلامي كثيراً من روائع الشعر، وبدائع التوشيح، في أغراض الشعر جميعا حتى الفكاهة، ولكن الأعم الأغلب منه ينغل في مداخله، ويتراءى من خصاصه، الروح العلمي; فكان الحكم منوطا بهذا الأعم الغالب. وإلا; فمن هو هذا الناقد الذي يجرؤ أن يجحد قوة الشعر، في قول عبيد الله بن عبدالله بن عتبة في الغزل:
كتمت الهوى حتى أضربك الكتم * * * ولامك أقوام، ولومهم ظلم
و نم عليك الكاشحون، وقبل ذا * * * عليك الهوى قد نم، لو نفع النم
فيا من لنفس لا تموت فينقضي * * * عناها ولاتحيا حياة لها طعم
تجنبت إتيان الحبيب تأثما * * * ألا إن هجران الحبيب هو الإثم;