/ صفحه 372/
بالفرنسية القديمة، وكلاهما ليس منقولا عن الاصل العربي مباشرة بل منقول عن ترجمة أخرى باللغة القشتالية ضاعت مع الايام ولم يبق منها غير مقتبسات وغير ما نستطيع معرفته عنها من الترجمتين المنقولتين عنها. أما الاصل العربي نفسه وعنوانه كما قلنا"كتاب المعراج" فلم يهتد إليه الباحثون الذين عنوا بهذا الموضوع، ولعل واحداً من قراء "رسالة الإسلام" يهتدى إلى التعرف به والتحقق منه مستعيناً بما أورده عنه من وصف وإجمال للمحتويات حسب الترجمتين اللاتينية والفرنسية القديمة، فيسدى بذلك يداً للمشتغلين بالموازنة بين الاداب ويعاون على هذا النحو تعاوناً مثمرا مع العلماء الاوربيين في دراسة ناحية مشرقة من تاريخ الانسانية يلتقى فيها الشرق مع الغرب في النظر في مصير النفس والايمان باليوم الاخر.
ويتصل الكشف الحديث عن "كتاب المعراج" ببحوث يرجع تاريخها إلى نحو خمس وثلاثين سنة عندما نشر العالم الاسباني المشهور أسين پلاثيوس السَّر قُسْطي بمناسبة دخوله في الاكادمية الاسبانية سنة 1919 كتابا عنوانه: "وصف المسلمين للاخرة في الكوميديا الالهية لدانتى" ومعروف أن لقصيدة دانتى في الثفافة الأوربية المسيحية شأنا عظيما لايدانيه شأن أي اثر شعرى آخر ويسميها الاوربيون باسم "القصيدة المقدسة" وهي تجمع بين جمال الصناعة في العبارة وروعة التصوير وتضمين الحكمة والمعارف على نحو يكاد يحيط بجميع ماحصله الاوربيون منها حتى ذلك الوقت، وهي تنقسم إلى أقسام أو أناشيد ثلاثة، الأول عنوانه الجحيم، والثاني عنوانه: الاعراف، والثالث عنوانه: الفردوس.
وتتلخص نظرية أسين پلاثيوس في أن دانتى استفاد كثيراً في قصيدته هذه فيما يختص بوصف الحياة الاخرة من مؤلفات محيي الدين بن عربي، لا سيما (الفتوحات المكية) إذ يصف فيه منازل النعيم ودرجات الجنة ومواقع العذاب
و دركات الجحيم وصفاً يشبهه وصف دانتي إلى حد كبير، وكذلك من كتاب أبى العلاء المعرى المسمي (رسالة الغفران) إذ يصف فيه أحوال بعض المشهورين بعد الموت ومقامهم في الدار الاخرة وما هم فيه من نعيم أو عذاب كما استفاد من