/ صفحه 191/
السلبية قيود تشترط في قتالهم، ولكنهم فاقدون لها، فإن وجد منهم قوم متصفون بها حرم علينا بدؤهم بالقتال.
وقد جرت تلك التفسيرات في هذا على ما ذهبت إليه في ِأن القتال في الإسلام، من أنا مأمورون بقتال الناس من مشركين وأهل كتاب حتى يدخلوا في ديننا، ولا فرق بين المشركين وأهل الكتاب في هذا إلا أن أهل الكتاب يخيرون بين الإسلام ودفع الجزية، أما المشركون فلا يقبل منهم إلا الإسلام، والمشركون عندهم، يقاتلون على شركهم، وأهل الكتاب يقاتلون عندهم لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، على خلاف في هذا بينهم، فجمهورهم على أن أهل الكتاب قد فقدوا جميعا هذه الصفات، وأنها ذكرت في الآية لبيان الواقع فيهم لا لتقييد الأمر بقتالهم، وقليل منهم - ولعله الفخر الرازي وحده - يذهب إلى إنها قيود في الأمر بقتالهم فإن وجد منهم قوم متصفون بها حرم علينا بدؤهم بالقتال، وهو في هذا يغفل عما يوافق عليه الجمهور من أن الأمر بالقتال لأجل إدخال الناس في الإسلام، لأنهم يريدون الناس جميعاَ، ولا يستثنون منهم أحدا، لأن كل الشرائع قد نسخت بالإسلام، فلا يصح العمل بها بعده ولو كانت على أصلها من غير تحريف.
وقد خالفهم في هذا السيد محمد رشيد رضا تبعا لأستاذه الشيخ محمد عبده، فالقتال في الإسلام عندهما لأجل الدفاع عن العقيدة الإسلامية، لا لأجل إدخال الناس فيها، فلا نقاتل إلا من قاتلنا من المشركين وأهل الكتاب، وإذا قاتلونا لا نقاتلهم لأجل إدخالهم في ديننا، وإنما نقاتلهم للدفاع عن النفس وعن العقيدة، وهو قتال مشروع في كل الشرائع السماوية والوضعية، لأن الحق فيه من البداهة لا يخفى على أحد.
ولكن السيد محمد رشيد رضا وافق تلك التفسيرات على ما ذهبت إليه في تلك الصفات السابقة، وعلى هذا يكون ظاهر الآية الأمر بقتال أهل الكتاب على تلك الصفات ولو لم يبدءونا بالقتال، وهو خلاف ما ذهب إليه هو وأستاذه