/ صفحه 430/
والحديث في هذه الآية عمن أضله الله على علم، يشعرنا بأن أصحاب هذه الفكرة كانوا من الذين يستخدمون العلم في التلبيس والمجادلة.
((وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون)).
وقد عاجلهم الله بعد ذكر فكرتهم بالرد المنبيء عن خلوها من الدليل والبرهان العلمي: ((وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون)).
ومن هنا نأخذ أن الذين يتشدقون بالفروض العقلية، ويحاولون أن يثيروا بها على العقائد الدينيةجدالا وسفسطة، إنما يضربون في أودية من الظن والخيال، ومن العجيب أنهم يعترفون بأن أحكامهم في ذلك إنما تقوم على افتراضات ذهنية، وتعليلات متخيلة، ومع ذلك يأخذون بها، ويتركون ما جاءعن الله ورسوله، بحجة أن العلم شيء والدين شيء آخر، فهل الفروض والتخيلات تنتج علما، والنقول الصحيحة عن العليم الخبير لا تنتج هذا العلم؟
الواقع أن هذا التواء في التفكير، وأن هذا الالتواءقديم، ولهذا الخلف فيه سلف هم على آثارهم مقتدون ((وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون)).
ونعود إلى الآيات فنستكملها أما القاريء ليتابع الفكرةفيها:
((وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم ألا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين، قل الله يحييكم ثم يجمعكم إلىيوم القيامة لا ريب فيه، ولكن أكثر الناس لايعلمون، ولله ملك السموات والارض)) أي والمالك الحكيم القادر لايترك ملكه سدى، ولا يملكه عبثا ((ويوم تقوم الساعةيومئذ يخسر المبطلون)).
يتبين من هذا أن منهج القرآن في هذه الفكرة، يقوم على الاقتصاد في ذكرها وعدم التفصيل لها، كراهية منه لأساليب المتكلفين والمغربين، وحرصا على أن يكون خطابه موجها إلى الفطرةفي صفائها، وألايهيج على هذه الفطرة ما لا يلائمها، أو ما يشق عليها، ولكنه يهاجم هذه الفكرة هجوما عنيفا من ناحيةبيان أن الله خلق الخلق بالحق- أي وما لا غايةله لا يكون بالحق، وإنما يكون لهوا وعبثا