/ صفحه 312/
الحظ لم تبذل عناية كبيرة إلى النقد الداخلي (المتن) فيما تحتمله الأحاديث. كما بذلت من عنايتها إلى شخصية الرواة والبحث عن ظروف حياتهم ".
ثم يقول وهو بصدد الحديث عن النقاد:
" وقد جرى نقاد الحديث من المسلمين على النظر إلى مثل هذه الأحاديث بشئ من التسامح. فإذا كان الحديث مفنداً وكان إسناده مشكوكاً فيه لم يكن لديهم اعتراض جدي لأنه لا يمكن أن يعود بالضرر بل ربما تتحقق من ورائه فائدة ولهذا يسمح له بالبقاء والتداول ".
وهو في هذا الرأي يتفق مع (جولد تسيهر) و (جوينبل).
والغرض من كل هذه الآراء وأمثالها هو تشكيك المسلمين فيتلك الثروة المثرية من العلم النبوي وإلقاء الريب في أعظم مجموعة من الآثار النبوية في التاريخ الإنساني فإنه لم يحفظ لنبي من الأنبياء من الأقوال والأحوال والأفعال ما حفظ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن السنة حوت من أحكام الشرائع الانسانية والتنظيمات الاجتماعية والحكم الخلقية والمعاني العقيمة ما لم يجتمع في أي مجموعة غيرها سواء أكانت لأشخاص يوحى اليهم من السماء أم لأشخاص قد اكتسبوا العلم بالدراسة والتجربة.
وقد شايع المستشرقين في هذه الآراء مع الأسف نفر من الباحثين المعاصرين فصرحوا في تأليفهم بأن قيمة الأحاديث في نظرهم ضئيلة ولا يصح الاعتداد بها وما أقرب ما يقولون: هذا حديث مختلق لا تستسيغه عقولنا ! فتراهم لذلك يستسهلون على أنفسهم المخالفة لمرويات كتب الحديث فيما لا يوافق أهواءهم ولا تدركه أفهامهم معتمدين في ذلك الاتجاه على ما أشاعه المستشرقون من أن المنازعات السياسية وغير السياسية كانت سبباً فيما لقيه الذين جمعوا الحديث من جهد وعنت في نفي الزائف من الأحاديث الموضوعة.
وبعضهم يعتمد في التقليل من شأن الأحاديث وإضعاف قدرها على ما قاله ابن خلدون في مقدمته من أن أبا حنيفة لتشدده في شروط الصحة لمي صح عنده إلا سبع عشر حديثاً.