ـ(6)ـ
ومن الواضح أن أهم عامل في صيانة الثقافة الإسلاميّة على مرّ العصور يتمثل في اعتزاز المسلمين بهويتهم، وإحساسهم بمكانتهم وبمسؤوليتهم على الساحة العالمية... فهم قادة مسيرة البشرية على طريق كلّ كمال إنساني وعلمي وهم هداة... ودعاة... وشهود و وسط... في حركة التاريخ... من دون انغلاق على ما عند الآخرين من علم ولو كان في الصين..
ولظروف تاريخية وثقافية مني المسلمون في القرون الأخيرة بهزيمة.. عسكرية.. وسياسية.. واقتصادية.. وعلمية.. وأفظع من كلّ ذلك انهزموا نفسيا.. فقدوا الإحساس بالعزة.. والفخر بالهوية المتميزة.. فقدوا الشعور بالمكانة والدور والمسؤولية.. وكانت هذه الهزيمة النفسية نتيجة "غزو ثقافي" مدروس، جند لـه الغزاة جيشا من الإعلاميين والمستشرقين والأدباء والكتاب وأصحاب الفنون والمتخصصين في الدراسات النفسية والاجتماعية.
والغزو الثقافي أغنى الغزاة عن الغزو العسكري لأنه جعل المسلمين يقبلون عن "قناعة" بضرورة الخضوع إليهم واستجدائهم، والعيش على فتات موائدهم، بل والمحاربة تحت لوائهم.
ولو لم يكن للأمة الإسلاميّة رصيد من القرآن والسنة يبقي على جذوة وجودها، لأتى الغزاة على آخر أنفاسها، ولابتعدت عن ساحة التاريخ.
لكن هذا الرصيد الخالد حافظ على بقايا الهوية والوجود، حتّى قيض الله لهذه الأمة رجالاً أوقدوا الجذوة فاشتعلت وأنارت وتحولت إلى وهج ساطع يعيد الأمل إلى المهزوزين والثقة إلى المهزومين.
وأمام هذه الظاهرة فقد الغزاة صوابهم، وراحوا يشكلون الحلقات الدراسية المكثفة ويقيمون المؤتمرات والندوات، ويجندون الخبراء والمفكرين لدراسة سبل المواجهة والتطويق.